رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة القبطية مجد مصرى قديم

بدأت صحف الأقباط الدينية في الظهور منذ تسعينيات القرن 19، والتابعة لطوائف المذاهب، حيث اعتبر هذا الأمر في ذلك الوقت نوعًا من الممارسة الديمقراطية والحرية الدينية والحرية الشخصية، كما عُد شكلاً من أشكال المساواة بين المواطنين مع بداية حكم محمد علي باشا لمصر عام 1805.

وعليه، كان ظهور الصحف الدينية والدوريات بأعداد كبيرة، وكان الأهم هو إتاحة مساحات لحرية تناول كل القضايا حتى ما يقترب منها من أمور تمس مجتمع الكهنة (الإكليروس) والقضايا الكنسية الشائكة من وجهة نظر البعض، بالإضافة لتناول الأمراض الاجتماعية والعادات والتقاليد التي من شأنها الإضرار بالقيم العامة لدى الشباب وأمن وسلام الوطن.

قد يكون أمر تناول أحوال الإعلام الديني، والحديث عن مهنية من يعملون في صناعته وإخراجه في احتياج لأن نعود في ذلك الزمان لمراجعة رأي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والنظر في الميثاق الذي وضعه عند التقييم والمراجعة الفكرية والنقدية للصحافة المسيحية... يقول "العميد"، عبر مقال رائع تم نشره في مجلة  "مدارس الأحد" بعددها الصادر فى مايو 1948، محيياً ومقدراً دور الكنيسة القبطية، وعارضًا رؤاه لتطوير تلك المؤسسة الوطنية بكل شفافية وموضوعية علمية، من بين ما جاء بالمقال: "الكنيسة القبطية مجد مصرى قديم ومقوم من مقومات الوطن المصرى، فلا بد من أن يكون مجدها الحديث ملائماً لمجدها القديم، ولا ينبغى أن نخلى بين رجالها وبين هذه المحافظة الخاطئة التى تغض من هذا المجد وتضع من قدره.. وعليه، الدولة المصرية والكنيسة القبطية يجب أن تتعاونا على إصلاح التعليم الدينى المسيحى وتنظيم المعاهد التى تخرج القسيسين والرهبان، والملاءمة بين هذه المعاهد الدينية الخالصة ومعاهد التعليم المدنى، بحيث تفتح لطلاب المعاهد الدينية المسيحية أبواب الحياة المدنية، إن أرادوا أن ينهضوا بأعبائها"، انتهى الاقتباس من كلام طه حسين..
وقد كان، وعلى مدى حقب كثيرة  لدى أقباط مصر شكوى دائمة من تغييب أمر طقوس وعبادات دينهم بشكل عام في كل وسائط الميديا، إلا عند حدوث كوارث طائفية، عندها تتبارى الفضائيات والصحف في دعوة  الكًتاب وأهل الرأي الأقباط للحديث عن أبعاد الكارثة وتداعياتها وتأثيرها من باب أداء واجب المشاطرة..

إلا أن الأمر قد تغير بشكل إيجابي إلى حد ما في الفترة الأخيرة، فالملف القبطي من الملفات التي لاقت في الفترات الأخيرة الاهتمام المعقول والملحوظ إلى حد قيام عدد من الإصدارات بتخصيص صفحات يومية لتناول أخبار الكنيسة وكل القضايا المثيرة للجدل وتهم المواطن المسيحي والأسرة القبطية، وأحيانًا إعداد ملفات كبيرة وملاحق حول قضية ما تشكل حالة جدل على الساحة الإعلامية.

ومن الملاحظ أن أغلب من يعملون في الملف القبطي غير محترفين على المستوى المهني والمستوى المعرفي والمعلوماتي بشكل ملحوظ للأسف، لذا يجد المتابع لهم انتشار أخطاء كثيرة في متن المواد المختارة ومدى مناسبة طرحها، وعليه نجد أن هناك أسماء غير مؤثرة بالمرة يعتمدونها كمصادر لهؤلاء الصحفيين مما يفقد الملف أهميته وتأثيره، وعلى الجانب المعلوماتي تجد أن الكثير من هؤلاء ليس لديهم معلومات كافية عن أحوال الكنيسة والكهنة والأساقفة والأقباط عمومًا.
وهناك صحف- تأتي جريدتنا الغراء «الدستور» في مقدمتها- تعي دورها التثقيفي والتنويري بتناول موضوعي نبيل ومتجرد من أي انحياز فكري أو ديني ومذهبي متشدد، وتقدم للقارئ ما يسد الفراغ المعلوماتي عن الحالة التي عليها الشأن القبطي، والذي نأمل بالمناسبة تعاون المكتب الإعلامي بالإدارة الكنسية بدعم التواصل مع مثل تلك الإصدارات والمواقع الناجحة والوطنية..

وعلى جانب آخر، للأسف، هناك إعلام موالٍ لأهل الشر، ولدى صناعه القدر الهائل من مشاريع لإثارة الفتن وصياغة المؤامرات الخبيثة المغرضة، التي تناصب الأقباط ومشاريعهم الروحية والوطنية العداء بشكل مستفز ودائم لتفكيك حالة الاندماج الوطني.

أيضاً ونتيجة لندرة الإصدارات الصحفية القبطية الخالصة التابعة للكنيسة أو غيرها، والتي يمكن تداولها في سوق الصحافة المصرية، باستثناء جريدة وحيدة "وطني" ولديها التزامات حيث تفرض على موادها ضوابط كنسية، تضيع على صفحاتها فرصة إقامة حوار نقدي بين الإكليروس والعلمانيين لصالح تطوير وتفعيل نظم الإدارة الكنسية وسبل تواصلها مع الناس والدولة..

وإلى كنيستنا العتيدة، وإلى منابر الإعلام الديني بشكل عام والمسيحي بشكل خاص، أهدي إليهم نموذجاً مما كان يكتب على صفحات إصدار كنسي رائع، مجلة "مدارس الأحد".. جاء في عدد فبراير 1949 (أي منذ أكثر من 70 سنة) مقال حرره شباب الكنيسة موجها لقداسة البطريرك في زمانهم.. جاء من بين سطوره: 
  «إلى حضرة صاحب الغبطة البابا المعظم..
نتقدم إليك، نحن أبناؤك الشباب بكل ما يفيض به قلب مخلص خاضع، يكن لك وللكنيسة كل حب وكل احترام .. ويا ليتنا يا سيدنا كنا نستطيع أن نحدثك فماً لفم، إذن لرأيت هذه المحبة وهذا الاحترام واضحين جليين، ولكن الدخول من بابك صعب عسير، فنكتفي بالكتابة، علّ حديثنا يصل إليك.. إننا نريدك أن تفهمنا.. اقرأ يا سيدنا ما كتبناه عن الأنبا كيرلس الرابع في هذه المجلة بالسنة الأولى العدد 8، واقرأ ما كتبناه عن تاريخ المجلس الملي في العدد 7 من السنة الثانية، واقرأ ما كتبناه عن أن مشاكلنا لا تحل فرادى، في نفس العدد بل اقرأ العدد كله يا سيدنا، وحينئذ تفهمنا جيداً». 

وأكتفي بذلك القدر من رسالة شباب الكنيسة التي حرروا سطورها بحب وشجاعة على صفحات ذلك الإصدار الكنسي الهام.. وبتوقيع "شباب مدارس الأحد".