رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفقة محرمة شرعا ومجرمة قانونا

طلب 120 ألف جنيه وحقوقه الشرعية.. «الدستور» تكشف «بيزنس المحلل الشرعى»

الطلاق
الطلاق

في مايو 2020، طُلقت مريم (اسم مستعار)، للمرة الثالثة وهي في الشهر الثالث من الحمل، في لحظة غضب لم يدرك فيها زوجها مدى خطورة الطلاق الأخير، والذي سيمنعه من العيش مع زوجته مرة أخرى، وبعد ساعات قليلة استفاق ليبحث سريعًا عن «محلل شرعي».

لم تجد الزوجة بديلًا آخر سوى الخضوع لذلك الأمر الذي سبب لها أزمة نفسية حادة، «لم أصدق زوجي حين أخبرني بضرورة الزواج من شخص آخر حتى أعود إليه مرة أخرى، وأجبرت على فعل ذلك من أجل الحفاظ على أبنائي».

وعبرت مريم  صاحبة الـ32 عامًا، عن أيام المعاناة التي عاشت فيها مع «المحلل» بعيدًا عن منزلها وأولادها: «كان يتعامل معي كزوجته، وطلب مني جميع حقوقه الشرعية، وحين امتنعت عن ذلك رفض أن يطلقني، وتعامل مع الأمر على أنه مساومة، ولم أجد حلًا سوى التواصل مع أهلي وإبلاغهم بما حدث».

أخبرها والدها بأن زوجها «المحلل» لا يطلب شيئًا مجرمًا، بل يُعد ذلك من أبسط حقوقه، وطليقها يعلم ذلك تمامًا قبل الاتفاق على الزيجة، وكانت تلك هي الصدمة الكبرى للسيدة حين وافقت على تنفيذ مطلبه، وعاشت ليلة تحت رحمة الغريب الذي تملك جسدها ورفض الابتعاد عنه حتى تدخل ذووها وأقنعوه بالطلاق.

بعد أسبوع ونصف من الزيجة «غير الشرعية»، كما وصفها فقهاء الدين، استطاعت «مريم» الهرب والعودة إلى أحضان أبنائها، واستكمال فترة حملها في بيت زوجها: «جوزي كان متأثر باللي حصل فترة كبيرة لحد ما خلفت إبني وبدأت حياتنا ترجع طبيعية تاني».


- محرم شرعًا


و قبل ساعات قليلة، انطلقت آراء عدة عبر منصات التواصل الاجتماعي حول قضية «المحلل الشرعي»، واختلفت بين الحلال والحرام، لتحسمها دار الإفتاء المصرية بتصريح رسمي يؤكد حرمانيتها، بعد أن استضاف برنامجا تلفزيونيا شخصًا أعلن زواجه 33 مرة كمحلل شرعي من أجل إعادة الزوجات إلى أزواجهن، بعد أن طُلقن ثلاث مرات، بحجة العمل الخيري لوجه الله.

وصرحت دار الإفتاء بأن زواج المطلقة ثلاثًا، والمعروف عنه بـ«الزواج بشَرْط التحليل»، حرامٌ شرعًا باتفاق الفقهاء، مستدلة على ذلك: «روى عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّه لَعَن المُحَلِّل والمُحَلَّل له».

وفي فتوى سابقة لها حول الأمر: «إذ كان النكاح بشرط تحليل المرأة لزوجها الأول فإنه حرام، ويكون باطلًا عند الجمهور، أما إذا كان منويًّا فيه فقط من غير اشتراطٍ مع توفر أركان النكاح وشروطه الأخرى فهو صحيحٌ كما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة، وتحلّ المرأة للأوّل بوطء الزّوج الثّاني؛ لأنّ النّيّة بمجرّدها في المعاملات غير معتبرة، كما لو نويا التّأقيت وسائر المعاني الفاسدة؛ والقاعدة في ذلك: «أن كل شرطٍ يَبطُل العقدُ بالتصريح به فإن إضمارَه مكروه».

 

 - اتفاقية مع «محلل».. صفقة تكلفتها 120 ألف جنيه


انطلقت «الدستور» في رحلة موسعة عبر صفحات «فيسبوك»، التي استوطنها سماسرة «الزواج المحلل»، معلنين أمام الجميع عن فتح أبوابهم لإنقاذ الزيجات وعودة الزوجات لأزواجهن مرة أخرى.

سماسرة الفيسبوك

واكتشفنا أن «زواج المحلل» أصبح صفقة يعمل عليها الشباب في الآونة الأخيرة، ويكسبون من خلالها مبالغ باهظة، بل إن التعليقات المصاحبة لمنشوراتهم جمعت العديد من الرجال الذين يبحثون دومًا عن محلل، بأي مقابل يريده.

بمجرد دخولنا لصفحاتهم، سرعان ما وجدنا منشورات يدّعون من خلالها أنهم يفعلون ذلك لوجه الله، لكن بشرط السرية التامة، واتضح بالحديث معهم أن السرية هي بداية المساومة على إتمام الزيجة المحرمة شرعًا.

بدأنا حديثنا مع «المحلل»، بأننا نريد إتمام زيجة في أقرب وقت حتى تعود الزوجة إلى زوجها مرة أخرى بعد وقوع الطلاق الثالث، وكان الرد علينا بأن الأمر سهلًا للغاية، وفي ظرف يوم واحد يمكننا إنجازه، لكن بشرط دفع مبلغ قدره 120 ألف جنيه، 100 ألف مقدم، وباقي المبلغ بعد الطلاق.



 كما أكد على الانتظار لمدة 15 يومًا بحد أقصى حتى يقع الطلاق: «الموضوع مبيخلصش في يوم ليلة، لازم نتممه بالشكل الشرعي»، وخلال فترة الزيجة، ستمكث الزوجة في منزل «المحلل» بمحافظة بني سويف، وسيتطلب منها توفير جميع حقوقه الشرعية حتى لا يخالف الله، وحاولنا استكمال الاتفاقية حتى النهاية، ليطلب منا التواجد عند مقر المأذون، لإنهاء الأمر رسميًا، وانتقال الزوجة إلى منزله.


- ساومني على طلاق زوجتي بـ7 آلاف جنيه


لم يعد الأمر مسألة زواج وطلاق فقط، بل تطرق ليصبح صفقة مبتغاها كسب أكبر قدر من الأموال، ومساومة ضحايا «المحلل الشرعي» على الطلاق، كان "معتز. ك"، أحد قاطني محافظة الجيزة، أحد الأشخاص الذين وقعوا ضحية الاحتيال بصفة «الزوج المحلل».

كان الاتفاق المقرر بين الزوج والمحلل مقتصرًا على 5 أيام لا أكثر لتعود الزوجة إلى منزلها من جديد، لكنه الرجل الثلاثيني فوجئ برد غريب من قبل المحلل حين طالبه برد زوجته إليه: «مش هطلق قبل ما تديني 10 آلاف جنيه».

كان ذلك المبلغ هو بداية المساومة التي دارت بينهما، حتى اتفقا سويًا على إتمام الطلاق مقابل مبلغ قدره 7 آلاف جنيه، بعد فترة دامت أسبوعين من الجدال والمشكلات المتواصلة، كانت أسيرتهم الفتاة التي أجبرت على الزواج من شخص آخر؛ لتتمكن من العودة إلى زوجها مرة أخرى.

أعرب «معتز» عن ندمه الشديد خلال حديثه مع «الدستور»: «لحظات غضبي كانت تحكمني بشدة وكنت معتادًا على لفظ الطلاق، لكن بمجرد الانغماس في تلك التجربة المريرة أصبحت أتحكم في جميع تصرفاتي، وأتجنب افتعال أي مشكلات مع زوجتي، آملًا أن تسامحني على ما مضى».

 

- جريمة مثبتة بالقانون


«إذ لم تستح فأفعل ماتشاء»، بهذه العبارة بدأ الخبير القانوني، أيمن محفوظ، حديثه مع «الدستور»، واصفًا «المحلل الشرعي» بالتيس المستعار، كما وصفه النبي صلي الله عليه وسلم، حين أشار إلى من يفعل تلك الأفعال المستنكرة شرعًا.
 واستكمل: «أن يأتي أحد الأشخاص اليوم ليتباهى بأمر رفضه الشرع، فهذا يُعد ازدراء واضحا للدين، ويستحق الجاني العقوبة المقرررة بنص المادة 98 من قانون العقوبات، والتي تنص على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحييذ بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية».  

المحامي أيمن محفوظ

وأشار أيضًا إلى جريمة أخرى في هذه القضية، وهي التزوير بشكل معنوي، حين تتخذ صورة إثبات وقائع كاذبة على إنها صحيحة أو معترف بها، والتزوير في وثيقة زواجه كمحلل، وهي جريمة تثبت في وثيقة رسمية ماهو مخالف للحقيقه، وتستحق العقوبة المنصوص عليها طبقا لنص المادة 212 عقوبات، على أن كل شخص ليس موظفًا قام بارتكاب تزوير كما هو مبين في المادة 211 يعاقب بالسجن المشدد أو مدة قد تصل إلى 10 سنوات سجن.
 وهناك أيضًا اتهام ثابت في حق هؤلاء الجناة، وهو جريمة الاتجار بالبشر حيث  يمكن في تلك الجريمة أن يكون الجاني هو ذاته السلعة المتاجر بها، سواء بمكسب معنوي أو مادي، ويستحق العقوبة المقررة بنص المادة الخامسة من قانون الإتجار بالبشر، والتي تعاقب كل من ارتكب جريمة الإتجار بالبشر بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تتجاوز مائتى ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر.


- أرقام مفزعة عن الطلاق في مصر

وبالبحث عن أرقام رسمية حول نسبة زواج «المحلل الشرعي»، كانت الإحصائيات المتداولة حول نسبة الطلاق أكثر كارثية، فقد أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقاريره الأخيرة لعام 2020، أن أعلى نسبة طلاق تم تسجيلها بالنسبة للرجال كانت في الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 سنة، وبلغ عددها حوالى 43 ألفا و739 حالة، بنسبة بلغت 20.4%.

 بينما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية من 18 إلى أقل من 20 سنة، وبلغ عدد حالات الطلاق فيها نحو 403 حالة طلاق بنسبة 0.2% من جملة حالات الطلاق، أما بالنسبة للسيدات فسجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 سنة أيضًا، وبلغ عددها نحو 38 ألفا و865 حالة طلاق بنسبة 18.2%، وسجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية 65 سنة فأكثر، وبلغ عدد حالات الطلاق نحو ألف و362 حالة بنسبة 0.6% من جملة الحالات.
 وتبين أن محافظة القاهرة احتلت صدارة الترتيب بالنسبة لمعدلات الطلاق عام 2020، وفى المقابل، سجلت محافظة أسيوط أقل المعدلات بين محافظات الجمهورية.