رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطائفية والهُوية المصرية

الهوية ببساطة تتشكل بفعل الإنسان فى المحيط الجغرافى المرتبط بالعادات والتقاليد والثقافة والدين والتاريخ والفن وغير ذلك. وهذا يتم بعملية تراكم لا تُسقط القديم، ولكن تستخلص منه ما هو قائم، وتُبقى على الجذور والثوابت وتضيف الجديد لكل حقبة فى شكل امتدادات متطورة تبنى على الأساس.
لذا يلعب التاريخ وحقباته هنا الدور المهم فى الحفاظ على هذه الهوية، فالهوية المصرية لم تكن بنت حقبة واحدة، ولا دين واحد، ولا ثقافة واحدة، بل هى تراكمات لكل ذلك، وبانيها ومبدعها الإنسان المصرى.
نتحدث هنا فى هذه القضية، وهى ليست المرة الأولى، بل تحدثنا كثيرًا فيها قبل ذلك، فقد أثار أحد رجال الدين المسيحى عام ٢٠٠٨، هذه القضية فى محاضرة فى معهد هدسون الأمريكى، وهو معهد تابع لمنظمات أهلية ذات أهداف أهمها لعب دور لتفتيت الأوطان إعمالًا لمقولة «صراع الحضارات».
واشتملت هذه المحاضرة، بشكل مباشر دون التواء، على المطالبة بعودة مصر دولة قبطية وإرجاع اللغة القبطية بدلًا من العربية، وإلى آخر هذه الأفكار والطروحات الطائفية التى تعزز الانتماء الثانوى والدينى على الانتماء الوطنى العام، وهذا بالطبع سيكون مدخلًا لصراع طائفى يحاول أن يختطف مصر إلى مربعه الطائفى.
هذا الطرح شاهدناه فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى، عند تشكيل ما يسمى بالجماعة القبطية على غرار جماعة الإخوان المسلمين شعارًا ومضمونًا، وهنا نحن لا ننحاز إلى فصيل طائفى يحاول اختصار الهُوية والوطن فى توجهه الدينى والهوياتى والتاريخى، فمن يختصر مصر عند القبطية ويسقط الإسلامية ومن يتوقف ويتخندق عند الحقبة الإسلامية مسقطًا كل الحقبات، وكأن مصر لم تكن ولم توجد قبل دخول الإسلام مصر- كلاهما طائفى بامتياز، لأن الهوية هى صناعة المصرى أيًا كانت ديانته.
كما أن المصرى هو من كان يعتقد فى الديانة المصرية القديمة، وهو من اعتنق المسيحية، وهو من انتقل إلى الإسلام، وفى كل الحالات هو مصرى، فالدين لا يسقط المصرية.
والمصرى والمصرية تعنى أن الجميع مواطنون، لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات. أما إشكالية الفرعونية أو المصرية القديمة وأن الأقباط هم أصل مصر، نعم الأقباط أى المصريين هم أصل مصر، وهذا لا يعنى أن المسيحيين فقط هم الأقباط، وهم الأصل، فبماذا نسمى المصرى الذى لم يقدر على دفع الجزية ودخل الإسلام وبالطبع ليست الجزية هى كل الأسباب؟.. هل هؤلاء ليسوا مصريين؟ وكم عدد العرب من الجزيرة الذين دخلوا مصر نسبة إلى عدد المصريين الحقيقيين؟ أى أن المصرى هو المسيحى والمسلم تاريخيًا.
أما اللغة القبطية، فهى لغة تراثية مصرية ملك لكل المصريين من المسيحيين والمسلمين، لأنها ليست لغة مسيحية تخص كل المسيحيين فى العالم.
أما إشكالية اللغة العربية، فهى تحصيل ممارسات سلطوية لم يشارك فيها غير المسلمين، وكانت قد فرضت العربية فى ظروف مصرية خاصة، أهمها عمليات الاضطهاد التى صاحبت فرض العربية بدلًا من القبطية، حيث إن أغلب البلاد الإسلامية دخل الإسلام ولم يتنازل عن لغته الأصلية، ولذا فالعربية هنا لغة وليست جنسية. كما أن العربية وحقبتها الإسلامية دخلت فى إطار الحقبات التاريخية فى إطار الثقافة والدين فقط. 
أما عودة الدولة القبطية، ولا أعلم هنا ما معنى الدولة القبطية؟ فهل كانت هناك دولة فى التاريخ المصرى سميت بالقبطية؟ هل كان هناك حكام حكموا مصر من المسيحيين الأقباط؟ القبطية يا سادة هى مرحلة تاريخية، ارتبطت باللغة القبطية التى هى لغة يونانية، أضيفت لها بعض الحروف الهيروغليفية، أى ارتبطت بلغة اليونانيين غير المصريين!!
وعلى أرضية عودة الدول القديمة أو الحقبات التاريخية الفائتة هنا، يجب أن تعود دولة فرنسا فورًا إلى بلاد الغال، حيث استعمرها وفرنسها قبائل الفرانس! وأيضًا لا بد من استرداد أمريكا من قبضة الاحتلال الإنجليزى لصالح أهلها الأصليين من الهنود الحمر!!. هذه قضايا ترفيه وتسلية بعيدًا عن قضايا الوطن المهمة والأساسية خاصة فى ضوء ما يواجهه الوطن من تحديات.
نعم اسم مصر عزيز علينا، فهو هويتنا وشخصيتنا وتاريخنا، وفى ظل ظروف سياسية وتحديات إقليمية ودولية كانت هناك وحدة، وكان اسم مصر الجمهورية العربية المتحدة، أى اختفى اسم مصر، وكان الهدف ليس اختفاء اسم مصر العظيم، ولكن كان الهدف هو صالح مصر والأمة العربية التى تربطنا بها اللغة ودين الأغلبية العددية المصرية والعادات والمصير السياسى الواحد، خاصة فى ظل التكتلات الدولية والتجمعات العولمية، عاد اسم مصر فى مسمى جمهورية مصر العربية، فهل مصر ليست جمهورية؟ وهل مصر ليست عربية باللغة فى ظل حقبة مصرية يطلق عليها الإسلامية، حيث إن كل الحقبات مصرية، وصنعها المصريون. 
الأمر يتطلب ألا تسيطر الثقافات الخاصة على الثقافة المصرية العامة، حتى لا نعطى الفرصة لمن يتربصون بالوطن.. حفظ الله مصر وشعبها العظيم بأديانه وحقباته وتاريخه وحضارته.