رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معجزات الجزائر

ستجد من يقول إن النبرة الاستعلائية البغيضة التى يتحدث بها الرئيس الفرنسى ماكرون ضد الشعب الجزائرى الشقيق هدفها انتخابى فى المقام الأول، وإنه يريد قطع الطريق على اليمين المتطرف، وربما للابتزاز من أجل تمويل حملته، وستجد من يقول إن السبب هو رفض الجزائريين الوساطة الفرنسية بعد قطع العلاقات مع المغرب الشقيق، التى كانت عقوبة الجزائريين بسببها هى خفض التأشيرات الممنوحة لهم.

ماكرون لا يعرف أن الأمة الجزائرية موجودة قبل الاحتلال الفرنسى، والكارثة أنه يجهر بهذا، ماكرون يسعى لتعويض الجزائريين الذين تعاونوا مع الاحتلال ضد وطنهم، هو يريد تحريف تاريخ بلد المليون شهيد لحرمانه من اللجوء إلى ماضيه وتاريخه، يتحسر على فرنسا الاستعمارية التى تتلقى ضربات موجعة فى الفترة الأخيرة، ليس فقط بسبب تراجع أستراليا عن شراء غواصاتها، وتراجع سويسرا أيضًا، والخروج التدريجى من سوق السلاح العالمية بسبب تقدم الآخرين علميًا وبحثيًا، فرنسا بكل قواعدها العملية فشلت فى صناعة لقاح ضد «كوفيد- ١٩»، وبدلًا من تأمل حالها وما آلت إليه تختار الجزائر لتظهر للآخرين أنها قوية، فى ٢٠١٧ قرر ماكرون إعادة جماجم ٢٤ شهيدًا جزائريًا «من أصل ٥٠٠» من رموز المقاومة العظيمة فى منتصف القرن التاسع عشر، والموجودة فى متحف الإنسان الفرنسى، تخيل أمة تحتفظ بجماجم الثوار فى متحف للتباهى بدمويتها؟!، باريس ترفض تسليم الجزائر أرشيفها الوطنى بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات، والسبب تنحية مدير الأرشيف الفرنسى وبقاء منصبه شاغرًا، حتى لا يطالب أصحاب الحق بحقوقهم، وحتى لا يتم فتح ملف التجارب النووية التى أُجريت فى الصحراء عام ١٩٦٠ ولا تزال آثارها باقية، وكنت قد زرت صحراء تاغيت قبل خمس سنوات وشاهدت وسمعت ما جنته هذه التجارب على كل مناحى الحياة هناك، لا يريدون فتح ملفات الاختفاء القسرى لمواطنين جزائريين وفرنسيين قاتلوا فى صفوف الثورة الجزائرية النبيلة، هم لا يريدون الاعتراف بالمسئولية التاريخية لفرنسا الاستعمارية، حتى لا تكون هناك تبعات مادية وأخلاقية، وفى المقابل يكرم الأستاذ ماكرون ويعوض الذين خانوا شعبهم، ويحاول أن يجبر الجزائريين على عودتهم، ووصل بالمستعمر القديم أنه يريد من الجزائر أن تستقبل المتطرفين الإسلاميين الذين ستتخلص منهم بطردهم، غطرسة ما بعدها غطرسة، ضد أمة أقدم من فرنسا نفسها، فرنسا التى يدعى رئيسها أنها لم تكن موجودة قبل احتلالهم لها، الجزائر كما كتب عبدالسلام حيدر «كانت دولة منذ ما قبل الميلاد أى قبل فرنسا نفسها، ألم يقف الاحتلال عند حدود المغرب وحدود تونس ولم يتجاوزهما، لأنهما حدود معروفة منذ ما قبل الميلاد، منذ (مملكة نوميديا) وحتى فى العصر الإسلامى كانت تعرف بالمغرب الأوسط، وكانت دومًا تقوم بها دول مستقلة بالحدود نفسها مثل الدولة الرستمية والدولة الزيانية، فدومًا ما كان لها حدود محددة وقواعد معروفة وشعب فشلتم فى فرنسته وتنصيره، ودفع الغالى والرخيص حتى يتخلص من أجدادك المستعمرين»، المحزن فى الأمر أن الأشقاء العرب يشاهدون هذه الغطرسة وكأن الجزائر ليست من بلادهم، والجامعة العربية لم تعلق على الأمر، ولم تصدر بيانات ولا تجمع توقيعات تشجب وتندد التطاول على شعب عظيم حارب أشرس استعمار فى العالم وحرر أرضه التى تم تدنيسها منذ ١٨٣٠، لا شك أن الجزائر يمر بمرحلة صعبة مثل كل بلدان المنطقة، ولكنه قادر على تجاوز المعوقات بإمكانياته الكبيرة الجغرافية والبشرية، ودعمه هو دعم للقيم الإنسانية النبيلة التى ترفض الغطرسة ومحاولة كتابة تاريخ من وجهة نظر الجناة، مصر ساندت الثورة الجزائرية على المستويين الرسمى والشعبى، وتعرف قدر الجزائر، حدثت جلطات صغيرة بين البلدين، ولكنها لم تؤثر على المحبة العريقة بين البلدين، مصر غنت وتغنت ببطولاتهم، ولن ننسى صلاح جاهين وهو يشدو:

«أحب أشوفك يا رايات فى النسمة 

بترفرفى ع الذكريات مبتسمة 

سبع سنين دم الجزاير فاير

وألف ألف شهيد وهى الكلمة 

فيه معجزات

زمانها فات 

ودى معجزات الشعب لما يصمم

محلا الغنا بعد الرصاص ما اتكلم»