رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفريق فؤاد ذكرى قائد القوات البحرية: سر الأيام الـ١٠ التى سبقت معركة السيادة على الحدود البحرية

الفريق فؤاد ذكرى
الفريق فؤاد ذكرى قائد القوات البحرية

لقد سجلت القوات البحرية المصرية فى التاريخ العسكرى، أن أول صاروخ بحرى يُطلق فوق البحار أطلقته سفينة مصرية فى معركة إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» عام ١٩٦٧، وأن أول معركة بحرية بالصواريخ بين اللنشات كانت المعركة البحرية التصادمية التى قامت بها لنشاتنا فى الحرب الرابعة- أكتوبر ١٩٧٣.

إننا منذ توقفت العمليات بعد الحرب الرابعة مع العدو الإسرائيلى عدنا على الفور نواصل ما بدأناه قبل ١٠ رمضان- ٦ أكتوبر- من تدريب واستعداد وتغطية واستفادة بدروس الجولة السابقة.

لقد ظلت ضربات قواتنا البحرية فى حرب رمضان الخالدة تلاحق العدو فى خليج السويس ورأس محمد وشرم الشيخ، وأضاف رجال بحريتنا إلى صفحاتهم المشرفة صفحة جديدة مجيدة مزينة بأعمال الفخار وأغلى التضحيات.

حتى جاء إلينا القائد الأعلى للقوات المسلحة، فى نهاية يونيو الماضى، ليعلن للعالم سرًا من أسرار مهام البحرية، وهى أن قواتنا كان لها شرف البدء بعملياتها وتنفيذ مهامها فى الحرب الرابعة قبل ١٠ رمضان بعشرة أيام.. ففى أول رمضان الكريم من العام الهجرى ١٣٩٣، أخذت قواتنا البحرية مواقعها حسب الخطة العامة أمام باب المندب، وجعلت تمسك العدو بسرعة بشرم الشيخ كضمان لحرية ملاحته من وإلى إيلات معدوم النتائج الإيجابية، بل أمر مستحيل.

كان على قواتنا أن تسيطر على بعض المواقع الاستراتيجية فى البحرين الأحمر والأبيض دون أن تعلن تحركاتها أو تكتشف، واستخدم الرجال بعض الأساليب الخداعية الراقية لإتمام شحن الصواريخ سرًا، وفى الوقت نفسه كان نشاط قوات العدو البحرية فى قمته بموانئ أسدود وحيفا والبحر المتوسط وإيلات ورأس سدر وشرم الشيخ وأبورديس بالبحر الأحمر.

وفى وقت مناسب- اختير بعناية - تم شحن الصواريخ وإعداد الألغام وتدريب الرجال على تلقينات بيان عملى كواحد من التدريبات السنوية. ولم يدر أحد أنها الحرب الرابعة.

كان تفوق قواتنا فى المدمرات والغواصات ووحدات بث الألغام وكسحها ملحوظًا، فى حين أن العدو كان يملك التفوق فى الكم نسبيًا عبر لنشات الصواريخ وطائرات الهليكوبتر وإمكانياته الجوية الأخرى، ولم يكن ذلك بعيدًا عن حساباتنا وتخطيطنا لمواجهة هذه المواقف والانتصار عليها.

إن مسرح العمليات الخاص بالقوات البحرية يتميز بطول سواحلنا التى تبلغ ١٦٠٠ كيلو متر، بينما تبلغ سواحل العدو التى يسيطر عليها بما فيها الأرض المحتلة ٤٠٠ كيلومتر، وتعتبر هذه الخطوط شريانًا رئيسيًا لاستمرار اقتصاد إسرائيل وإمدادها بالمواد الاقتصادية والعسكرية.

وقد بنيت خطتنا أساسًا على التعامل عبر جبهة طويلة فى البحرين الأبيض والأحمر، واستغلال عامل المفاجأة إلى أقصى حد، وتشتيت جهود العدو وإرباك قياداته.

وفى يوم ٦ أكتوبر، اليوم الأول للحرب، اشتركت قواتنا البحرية بجميع تشكيلاتها.. المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ والطوربيد، والمدفعية الساحلية، والضفادع البشرية، والصاعقة البحرية، وقصفت مدفعيتنا مناطق شرق بورفؤاد ورمانة ورأس برم، كما قامت المدفعية الساحلية بمعاونة القوات البرية فى قطاع بورسعيد بالنيران حيث قصفت تحصينات العدو.

وفى البحر قصفت مدفعيتنا الصاروخية شرم الشيخ التى تتمركز فيها قوات إسرائيلية كبيرة، وقامت قوات الصاعقة البحرية بمهاجمة منطقة أبودربة على الساحل الشرقى لخليج السويس، كما هاجمت الضفادع البشرية منطقة البترول فى بلاعيم ودمرت حفارًا ضخمًا، وصافح القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس أنور السادات هؤلاء الأبطال حين قام بزيارة القاعدة البحرية فى الإسكندرية الانتحارية وقصفنا بالصواريخ منطقة رأس سدر.

وفى نفس اليوم الأول اشتركت المدفعية الساحلية فى التمهيد بالنيران إلى جانب نيران مدفعية الجيش الثالث البطل أثناء العبور.

لم تكن وحدات الهجوم هى الوحدات المكلفة بالعمل فقط، فمن واجبات البحرية تأمين القواعد والموانئ وطرق المواصلات والسواحل وقطع مواصلات العدو الرئيسية وحماية أجناب القوات البحرية ضد تدخل العدو بحرًا.

وتكررت مهام قواتنا البحرية خلال الحرب أكثر من مرة، وكان أبرز المعارك تلك المعركة التى وقعت لأول مرة فى تاريخ البحرية العالمية أو تاريخ الحرب البحرية، حيث تلاحمت لنشاتنا الصاروخية مع لنشات العدو ما بين دمياط والبرلس ليلتى ٨ و٩ أكتوبر ١٩٧٣، وهاجمت ٤ لنشات مصرية، من نفس التشكيل الذى أغرق المدمرة إيلات، تشكيلًا معاديًا يتكون من ضعف عدد لنشاتنا، معززًا بست طائرات هليكوبتر مزودة بالصواريخ جو- أرض، وقاتلت وحداتنا ببسالة وسيطرة وكفاءة وإصرار على تدمير العدو البحرى وتجاوزت الظروف الصعبة التى واجهتها وأمكننا فى النهاية تدمير خمسة لنشات للعدو وإصابة سادس.

وفى البحر الأحمر قامت القوات البحرية باعتراض السفن التجارية فى جنوب البحر، وقامت الغواصات بالعمل فى منتصف البحر، ومنعنا العدو بذلك من نقل بالترول عبر حقول بلاعيم وخليج السويس، وغرقت له ناقلة بترول حمولة ٤٦ ألف طن ولنش إنقاذ حاول مساعدتها، وعاد العدو يستخدم ممرًا داخليًا ضيقًا لا يسمح للسفن الكبيرة بالمرور، وأصيبت له ناقلة أخرى حمولة ألفى طن.

لقد كان استخدامنا سلاح غلق باب المندب أسلوبًا جديدًا فى القتال مع إسرائيل، كما استخدمنا سلاح الألغام بكفاءة عالية، ولم تدخل سفينة واحدة تمد إسرائيل بالمواد الأساسية، وكان العدو ينقل سنويًا ١٨ مليون طن بترول عبر باب المندب إلى إيلات ثم يعيد تصديرها إلى أوروبا عن طريق خط الأنابيب البترولى ما بين إيلات- عسقلان، ويستخدم لنقل هذه الكمية من البترول ٢٤ سفينة تجارية كل شهر بأحجام مختلفة.

لقد أثبتنا للعدو عدم جدوى دعواه بأن احتلاله لشرم الشيخ يوفر له أمن وحرية الملاحة البحرية عبر مضايق تيران، وكان تخطيطنا للمهام والعمليات صفحة راقية من صفحات العسكرية المصرية.

إن قراراتنا البحرية كانت خاضعة للقانون البحرى، وكل نشاطنا تأسس على تطبيق هذا القانون، حتى أسلوبنا مع السفن التجارية كان خاضعًا للقانون، وقد وافقت كلها على تطبيقه بمنتهى الرضا التام، ذلك لأننا منعناها ليس بهدف تعطيل الملاحة وإنما لأنها تمر بمسرح عمليات حربية- بحرية، ومنعها هنا بدافع الحرص على سلامتها.

وهكذا أكدت البحرية بقتالها وخبرة رجالها وبطولة شهدائها أنها تستطيع مد ذراعها البحرية لتطول قلب إسرائيل، وأن هذه الذراع هى اليد الطولى فى معارك البحر، وأن مقاتلى البحرية المصرية ظلوا دائمًا، بلا منازع، سادة البحرين الأبيض والأحمر.