رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللغة والحب هذه الأيام

على أيامنا، أعنى فى الستينيات، كنا نصف البنات الحلوات بقولنا: «قمر ١٤»، أو «سنيورة»، وفى أقصى أنواع التجديد الجرىء كنا نقول: «البنت دى صاروخ»! وكانت نصف قصص الحب تدور همسًا فى مكالمات التليفون الأرضى فى الليل، أما اللقاءات فكانت تتم فى حديقة الأسماك، أو الحديقة الفرعونية، وكانت دموعنا تسيل بحرارة مع لبنى عبدالعزيز وعبدالحليم فى فيلم «الوسادة الخالية»، ونرتج بالبكاء مع عماد حمدى فى فيلمه «بين الأطلال»، ونكتب الخطابات على أوراق ملونة.

الآن بعد نصف قرن أجد أن قصص الحب ولغته قد اختلفا، وصارا شيئًا آخر تمامًا، هذا مفهوم ومنطقى، لكنه يظل مدهشًا بالنسبة لى، وأظل أتوقف متعجبًا من قولهم عن البنت الحلوة: «مُزة»، وقول البنات عن الأولاد: «ولد مُز»! أنظر إلى الشباب ولا أفهم، وأسأل وأستفسر، بل وأفتح المعاجم، فأجد الفعل العربى الصحيح «مز»، «يمز» أى استحسن الشىء، وجاء أن أهل الشام يقولون: هذه خمرة مزة أى ممتازة!

أتعجب كيف تنتقل الكلمة من المعاجم إلى الحياة والاستخدام اليومى، خاصة عند جيل علاقته ضعيفة باللغة وأصولها! وفى اعتقادى أن لغة الحب تتبدل وتختلف متوافقة مع درجة التقدم الاجتماعى والاكتشافات العلمية والثقافية، فلم يكن ممكنًا لأبناء جيلنا أن يقولوا عن البنت إنها «صاروخ» لو لم يكن الصاروخ على أيامنا اكتشافًا باهرًا.

الآن اختفت الخطابات من قصص الحب، وحل محلها «واتس آب»، وأيقونات مرسلة تصور القلوب الحمراء وعبارات موجزة وماسنجر وإيميلات، وقد غير كل ذلك من لغة الحب وأوصافه ووسائل التعامل معه، لكن يبقى السؤال: هل بدلت تلك الوسائل من الطابع الرومانسى للحب؟ هل دفعت قصص الحب إلى أقبية ومخازن النظرة الواقعية، حين لا يرى الشاب فى الفتاة سوى امرأة صالحة للزواج أو غير صالحة؟ هل اختفت قصة «عايدة وكمال» التى نسجها نجيب محفوظ فى الثلاثية؟ هل اختفى الحب الذى أجرى دموعنا فى الستينيات وحل محله حب آخر من نوع جديد، بمفهوم جديد؟

الحق أنى لا أدرى بالضبط، لكن ثمة قصصًا تشتعل من حين لآخر، يؤكد كلها أن رومانسية العلاقة العاطفية أحد مكونات القلب الأساسية، وأنها لا تزول، وأن كل ما حولها، من لغة وإشارات، قد يتبدل، لكن تبقى هذه الزهرة البديعة حية، وأقرب مثال على ذلك ما قرأته فى الصحف، منذ أيام قليلة، عن انتحار شاب وفتاة فى يوم واحد، هى فى الخامسة عشرة وهو أكبر منها بعامين، لأن الأهل فرقوا بينهما! أليست هذه الطبعة المصرية من روميو وجولييت التى كتبها شكسبير من نحو أربعمائة عام؟ والواضح أنه قد تتبدل اللغة والظروف والأجيال والمفاهيم، وتبقى زهرة الحب تنبت فى حدائقها، هناك حيث الحلم بالمستحيل والتوحد والعاطفة التى لا يحدها شىء.