رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العائلة البديلة.. هنا دُور الدمج بين الأطفال بلا مأوى والمسنين: «الونس يهزم الأحزان»

الدمج بين الأطفال
الدمج بين الأطفال بلا مأوى والمسنين

«فاقد الرحمة أفضل من يقدمها».. هذا ما تؤكده فكرة دمج كبار السن مع الأطفال بلا مأوى فى دور الرعاية الاجتماعية، التى كانت لها نتائج مبهرة، فقد استأنس الأطفال بالأجداد، ونشأت علاقات أسرية قوية جعلت جراح الفقد تلتئم.

وفكرة الدمج هذه ليست جديدة، فقد جرى تطبيقها فى أكثر من دولة، مثل كندا والكويت، بشكل تجريبى على نطاق ضيّق.

وحسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعى، فإن عدد الأطفال الأيتام فى مصر داخل دور الرعاية الحكومية بلغ ١٠ آلاف و٥٠٧ أطفال، جرى توزيعهم على ٥١٦ دار رعاية على مستوى الجمهورية، وبلغ عدد الأطفال الأيتام لدى الأسر البديلة، داخل مصر، ١١ ألفًا و٥٠٠ طفل، وخارجها ٢٠٠ طفل، تتابع وزارة الخارجية أحوالهم بشكل دورى، بينما يبلغ عدد دور المسنين ١٧٢ دارًا.

«الدستور» تواصلت مع بعض دور مؤسسات الرعاية الاجتماعية التى حاولت تطبيق تلك الفكرة، لمعرفة نتائجها ومدى تأثيرها على الطرفين والدعم الذى تقدمه وزارة التضامن الاجتماعى لإنجاح الفكرة.

زياد.. يتعلم من «جدو محمود» صناعة المراكب المعدنية

داخل دار بسمة للإيواء بمحافظة الشرقية، التقى طفل يتيم يدعى «زياد»، ١٠ سنوات، بجدٍ وحيدٍ يدعى «محمود»، لأول مرة، وأصبحا صديقين، أو قريبين.

لاحظ الطفل أن الجد ينشغل دائمًا بصناعة مراكب معدنية فتعلم منه، وأصبح يستيقظ يوميًا فى الخامسة فجرًا ليذهب إلى جده الجديد المصاب بكسر فى الحوض ليساعده فى صناعة المراكب. وحينما ينتصف النهار، كان الصديقان يذهبان لرى مجموعة من الزهور، علّم الجد حفيده الجديد زراعتها ورعايتها، وذات يوم استيقظ «زياد» ولم يجد جده، وحينما سأل المشرفين، قيل له: «عند ربنا». بكى الطفل، وظل لأيام ينادى جده أو صديقه، والآن- تقديرًا لتلك التجربة- وضعت دار «بسمة» المراكب المعدنية فى مكان مميز، ليشاهدها الزوار ويعرفوا القصة، ولا يزال «زياد» يسير على نهج جده، يزرع الورد ويصنع المراكب ويتمنى أن يمنحه القدر جدًا جديدًا.

يوسف.. يتيم يجد العطف والأمومة لدى «ماما نوجا»

شهدت دار «بسمة»، أيضًا، قصة إنسانية جميلة بين «نوجا»، ٥٥ عامًا، والطفل يوسف، ١٢ عامًا، اللذين تعرفا على بعضهما فى ذلك المكان، وتعلق كل منهما بالآخر.

«يوسف» تركه والداه وهو ما زال رضيعًا، ودخل الدار فى سن صغيرة ولا يعرف معنى الأم والأب، وكذلك «نوجا» التى انقطعت الصلة بينها وبين أبنائها بعدما أودعوها دارًا للمسنين.

تعلق «يوسف» بعد فترة قصيرة بـ«نوجا» وبات يناديها بـ«ماما»، ويظل ينتظر الأيام الثلاثة التى تقضيها فى الدار، ضمن إجراءات الدمج، حتى يلتقيها ويقضى معها أطول فترة ممكنة، ويساعدها فى كل ما تحتاجه.

وحين مرضت «نوجا» كان «يوسف» هو من يداويها ويسهر معها طوال الليل، وتعتبر قصتهما من أبرز قصص الدمج بين كبار السن والأيتام التى حدثت داخل دار «بسمة» للإيواء.

دار «بسمة»: التطبيق يستمر ٣ أيام أسبوعيًا

زينب زقزوق، مدير العلاقات العامة بمؤسسة «بسمة»، التى كان نشاطها فى البداية يتضمن الاستجابة للشكاوى الخاصة بالمشردين وكبار السن فى محافظة الشرقية من خلال فرق التدخل السريع- قالت إن مؤسستها هى أول مؤسسة تطبق فكرة الدمج مع دار مسنين، بالتعاون مع جمعية الدفاع للأيتام، التى تحتضن الأطفال الذين لا مأوى لهم، من سن ٨ سنوات حتى ١٨ سنة.

وأضافت «زينب»: «كان نجاح الفكرة مبهرًا، فالأطفال كانوا يشعرون بسعادة كبيرة حينما يساعدون كبار السن، وفى المقابل شعر الأجداد بالأنس»، موضحة: «كبار السن يفتقدون أحاسيس الأمومة والأبوة، ويعانون من صدمات بسبب ما فعله بهم الأبناء البيولوجيون، وفى المقابل عانى الأطفال من الحرمان والتفكك الأسرى، لذا يحتاج كل طرف إلى الآخر».

ولفتت إلى أن فكرة الدمج يجرى تطبيقها ٣ أيام فقط أسبوعيًا، خلالها يمارس كبار السن والأطفال بعض الأنشطة الجماعية، ويصبح الطفل سعيدًا بوجود جد يشاركوه الطعام واللعب.

«معانا لإنقاذ إنسان»: منحنا كبار السن هدفًا للحياة

لم تكن مؤسسة «بسمة» الوحيدة فى مصر التى نفذت فكرة الدمج بين كبار السن والأطفال بلا مأوى، فهناك مؤسسة «معانا لإنقاذ إنسان»، التى تركز جهودها على إنقاذ المشردين والأيتام من حياة الشارع. قال محمود وحيد، رئيس مجلس إدارة المؤسسة: «لدينا أطفال يفتقدون الرعاية والأجواء الأسرية، وكذلك كبار سن تخلى عنهم الأهل ويحتاجون للدعم، فكان لا بد من الدمج بين الطرفين لمنح كل طرف الآخر ما ينقصه». وأضاف: «يحدث الدمج فى الأنشطة والمعايشة طوال اليوم، ونفصل بينهم خلال وقت النوم فقط، وكانت للتجربة آثار نفسية ومعنوية جيدة على الطرفين، فكبار السن يشعرون بأن لديهم أطفالًا يرتبطون بهم وأن هناك هدفًا للعيش من أجله، وكذلك الطفل يعود له الإحساس بأن لديه أسرة وأبًا وأمًا أو جدًا وجدة، يهتمون به». وأشار إلى أن فكرة الدمج مطبقة فى المقر الرئيسى للمؤسسة. واختتم: «التجربة تمت بالشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعى، وترغب الوزارة، فى الوقت الحالى، فى التوسع بها، ولكن هناك أماكن لا تصلح لذلك، ولا بد من توافر بعض الاشتراطات فى الدور التى ترغب فى تطبيق التجربة؛ لضمان سلامة الأطفال وكبار السن معًا».

استشارى علاقات أسرية واجتماعية: الانعكاسات إيجابية على الطرفي

وصف الدكتور أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية، الدمج بين الأطفال بلا مأوى وكبار السن بالفكرة الرائدة، لأن الصغار ليس لهم أهل، ويشعرون بدفء العائلة مع المسنين الذين تركهم أولادهم دون رعاية. وعن فوائد تلك التجربة قال: «كبار السن لديهم خبرة ستفيد الأطفال وسيقدمون لهم النصائح التى تنفعهم فى مواجهة تحديات الحياة، وكذلك الصغار سيُدخلون على المسنين مظاهر البهجة والفرح التى افتقدوها منذ فترات طويلة». وأضاف: «ستكون للتجربة انعكاسات نفسية إيجابية على الطرفين، ولكن هناك احتمالًا أن تكون النتيجة عكسية فى حال أن كبار السن شعروا بالضيق بسبب حيوية الأطفال، والعكس أيضًا أن يشعر الصغار بالرتابة والملل مع أشخاص أكبر منهم بسنوات طويلة، وعدم القدرة على التأقلم معهم، وهذا الأمر تحدده التجربة الفعلية». وحدد آلية نجاح تلك التجربة من خلال اختيار كبار سن لا يعانون من أمراض مزمنة، وأطفال ليسوا صغارًا يحتاجون إلى رعاية خاصة، وكذلك تحديد ساعات الدمج والفصل بينهم وقت النوم، «وإذا نجحت التجربة تتم زيادة عدد ساعات اختلاطهم».

استشارى نفسى: دراسة حالة للنزلاء قبل التنفيذ «مهمة»

حذرت الدكتور أمنية الغنام، استشارى الصحة النفسية وتعديل سلوك الأطفال والمراهقين، فى عدد من دور الأيتام، من معاناة الأطفال الأيتام- فى الأغلب- من مشاكل وظروف نفسية تختلف عن تلك التى يعانى منها كبار السن، مشيرة إلى أن «لكل منهما ظروفًا نفسية ومشاكل مختلفة عن الآخر».

وتبعًا لذلك، طالبت استشارى الصحة النفسية بإجراء دراسة نفسية واجتماعية للحالات قبل دمجها، مع ضرورة وجود أخصائيين نفسيين، حتى لا يتعرض أحد الطرفين لمشاكل نفسية.

وقالت: «ممكن حد من كبار السن يكون من بيئة معينة يفسد أفكار المراهق أو الطفل، فعملية الدمج تعتبر تسليم جيل إلى جيل آخر، لذا لا بد من تسليم الصغار لأشخاص مؤهلين، مع وجود إشراف نفسى واجتماعى على التجربة، وإجراء دراسة للحالات قبل الدمج».