رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علّموهم كيف جاء النصر

كلما مرت علينا الأيام الأُوَل من شهر أكتوبر، يشغلني سؤال أراه في غاية الأهمية هو: كيف تصل لأولادنا وبناتنا معاني النصر وسيرة معاركه وحكايات رموزه؟ إذ أشفق كثيرًا على جيل باعدت الأيام بينه وبين واحد من أخلد أيام مصر، أتذكر كيف كنا ننتظر ذكرى يوم العبور المجيد ونحن لا نزال صغارًا، وليس لنا أن نفعل إلا متابعة أفلام حفظنا مشاهدها من شدة التعلق بأحداثها ولم أضبط نفسي- ولا أجد أبناء جيلي- مشغولين لأي سبب عن التلهف لمتابعة العرض العسكري السنوي، مبهورين بالدقة والمهارة وحسن الأداء وروعة التنظيم التي يبديها جنود مصر أثناء العرض.
وحين كبرنا أكثر كنا نتابع زيارة رئيس الجمهورية النصب التذكاري للجندي المجهول، وضريح صانع النصر الرئيس الراحل أنور السادات، الذي صار بطلا للحرب والسلام، ثم ننتظر في المساء حفلاً غنائيًا ساهرًا تحييه رموز مصر من المبدعين، ويختلف من عام لآخر شكل الاحتفال الذي كان يقوم على تنظيمه رجال الشئون المعنوية للقوات المسلحة، وعلى مدار أيام الشهر كنا نتابع برامج وحوارات ووثائقيات يبثها مبنى ماسبيرو العريق- إذاعة وتليفزيون- متابعة تلهب الحماس الوطني وتجعل حلمنا الأول صغارًا ثم شبابًا هو الزود عن الوطن والدفاع عنه جنودًا مقاتلين ومواطنين محبين حين يأتي دورنا في القيام بالمهمة تلبية لنداء الواجب.
واليوم ومع تعدد المنابر الإعلامية ومع منافستها غير المتكافئة مع وافد جديد- هو السوشيال ميديا- صار شبابنا وأطفالنا ضحايا عمليات الاختطاف الذهني، ولكنني على ثقة كاملة بأن لدينا من المؤسسات الوطنية والقائمين عليها من يمتلك من الرشد وحسن إدراك الأمور من شغله هذا الأمر، وصار يبحث كيف نحفظ  ذكرى نصر أكتوبر المجيد في الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة ولقرون كثيرة تالية.
ومنذ أمد طويل اهتمت الشئون المعنوية في المؤسسة العسكرية بتوثيق المعارك وتسجيل شهادات الأبطال من قادة وضباط وجنود، حتى لا تجور الأيام على حدث هو الأبرز في تاريخ الأمة العربية كلها، وهنا وجب على كل المعنيين بهذا الأمر من مؤسسات تعليمية وتثقيفية وإعلامية بث ما تسمح به المؤسسة صاحبة الحقوق، لتنشيط الذاكرة الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء لدى الأجيال الناشئة.
ورجائي للمنوط بهم تحقيق هذا الحلم أن يعلموا أولادنا قصص أبطالنا أمثال: الصول أحمد إدريس الذي كان لديه الحل في استخدام اللغة النوبية في الشفرة السرية حتى لا يتمكن العدو من اكتشاف سرها، علموهم- سادتي- كيف كان لدى الضابط الوطني باقي زكي يوسف الاقتراح الذي مكن الجنود من اقتحام الساتر الترابي، باستخدام مضخات المياه العملاقة، احكوا لهم ولنا كيف استطاع القادة اختيار ساعة الصفر، وإلى أي مدى نجحوا في عملية الخداع الاستراتيجي حتى باغتنا العدو فتحقق النصر.
اعزفوا لهم نغمة حقيقية وصادقة لملحمة الوحدة الوطنية التي مزجت دم المصري مسلمًا كان أو مسيحيًا دفاعًا عن أرض مصر، أنشدوا أنشودة البطل إبراهيم الرفاعي قائد المجموعة 39 قتال وجنوده البواسل من رجال الصاعقة المصرية الذين نفذوا عمليات ناجحة ومؤثرة خلف خطوط العدو وثأروا لاستشهاد البطل عبدالمنعم رياض بعمليات جريئة جرى بعضها في وضح النهار.
يقولون إن حرب أكتوبر تمثل ملحمةً وطنيةً خالدةً وأختلف مع من يقول بهذا، أجل فحرب أكتوبر هي مجموعةٌ متكاملةٌ من الملاحم الوطنية التي صنعها كل من شارك في الحرب بأي صورةٍ وقام فيها بأي دور.
ملاحم تكاملت مع بعضها البعض لتصنع لمصرنا تاريخًا جديدًا من المجد والعزة، تتوارثه الأجيال فيعزز مشاعر الوطنية والانتماء في نفوس الأجيال الجديدة التي حاولوا أن يشغلوها بملهيات هذا العصر وظنوا أنهم نجحوا، لكن هيهات أن ينجحوا وفي أرشيفنا الوطني نصرٌ عظيمٌ بقيمة نصر أكتوبر المجيد، فرجائي لكل ذوي الشأن ألا تنسوا صغارنا وعلموهم كيف جاء النصر.