رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"حبيبة" ستصبح رمزًا للحرية والتقدم (2-2)

منى رجب
استكمالًا للجزء الأول من نفس المقال تحت عنوان "حبيبة طارق ستصبح رمزًا للحرية والتطلع إلي التقدم"،  لا تزال قصة حبيبة تثير اهتمام وتعاطف الرأي العام، لأنني أعتقد من ناحية أخري، وبعد عقد جلسة الصلح منذ بضعة أيام في جامعة طنطا مع حبيبة طارق زهران {فتاة الفستان}، الطالبة الجامعية بكلية آداب جامعة طنطا، مع المراقبين والمراقبتين ذات النقاب وذات الخمار، وبوجود كبار رجال الجامعة، والتي تداولتها المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، متضمنة دعمًا لها- فإنني أعتقد أن حبيبة ستصبح منذ الآن  رمزًا للحرية ورمزًا لبداية التطلع إلي التقدم وبداية التغيير ضد التشدد والتخلف والرجعية وبداية التمسك بجانب مهم من الهوية المصرية، وهو مظهر المصرية التي عرفناها، والتي اتسمت بالعصرية في ملابسها، وسبق المرأة المصرية العالم في كافة المجالات منذ عهد الحضارة المصرية القديمة، حيث تكشف لنا جدران المقابر الفرعونية أناقة وجمال ملكات مصر وزوجات الملوك الفراعنة والعاملات في القصور.
فلقد كانت المرأة  المصرية دائمًا تتحلي بالجمال والأناقة وتحرص علي الاهتمام بمظهرها وبشرتها وحليها وزينتها، فلقد سبقت المصريات العالم كله في الاهتمام بمظهرهن وأناقتهن وتفاصيل طلتهن فكن يبدون في أجمل مظهر، وأروع زينة منذ عصر الفراعنة من قدماء المصريين.
وفي القرن الماضي كانت المصريات يرتدين الموضات العالمية في نفس توقيت ظهور الموضة في باريس، كما نري في الصور وفي الأفلام، وكما رأينا أمهاتنا وجداتنا، وخير دليل علي ذلك صور حفلات كوكب الشرق السيدة أم كلثوم الشهرية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والتي تظهر فيها أناقة السيدات المصريات في أبهي ملابس وبتسريحات تواكب موضات باريس.
إلا أنه مع منتصف التسعينات بدأ مد وهابي تمثل في العمل علي تغيير مظهر السيدات في مصر وتغيير الهوية المصرية بما فيها مظهر السيدات والبنات، وتغيير أطر التفكير والاتجاه إلي التشدد والتطرف في كل شيء، وتصاعد الأمر إلي حد ارتداء النقاب وإخفاء ملامح الوجه تمامًا، وبعد أحداث يناير ٢٠١١ تصاعد تيار التشدد ضد المرأة المصرية، لكنه لم تسطع أن يتجسد أو يسيطر، إلا أننا وجدنا مدارس تجبر البنات علي ارتداء الحجاب منذ سن صغيرة في سن الثامنة أو التاسعة وفي سنوات الدراسة الابتدائية.
وأعود لقضية فستان حبيبة الذي أثار تيار التشدد بداخل أروقة الامتحان في جامعة طنطا، وكأنها قد أقدمت علي فعل مشين أو سيئ، إلا أنه في مقابله، ومن ناحية فإن تيار التنويريين أقوي منه ، متمثلًا في تعاطف آلاف  من الأسر المصرية التي  قد تعاطفت مع حبيبة الشابة المصرية الجميلة والمحترمة التي تكالبت عليها قوي التشدد، لأنها ترتدي فستانًا وليس نقابًا أو خمارًا.
وهكذا تقرر في الجامعة إقامة جلسة صلح في الجامعة بطنطا، وظهرت حبيبة في الصور التي تناقلتها المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي مغلوبة على أمرها وحزينة ومكلومة، فأثارت تعاطفًا مضاعفًا، لأنها ظهرت ببنطلون وليس بفستان ظهرت صورتها وهي تبدو مقهورة أثناء التوقيع علي أوراق الصلح، وبجانبها ظهرت مراقبات الامتحان المتشددات ورئيس الجامعة وبعض المسئولين من قيادات الجامعة، بدا الحزن والقهر واضحين في عيون حبيبة، لا أن حبيبه لم تدرك أنها قد ألقت حجرًا هز الجامعة كلها وأيقظ المجتمع المصري علي حقيقة مهمة هي أن الفستان كان دائمًا رمزًا لأناقة المرأة المصرية منذ التاريخ الفرعوني، وأنه لن يختفي من المجتمع المصري حتي بعد ممارسة ترويع حبيبة.
بل ظهرت آلاف الشابات والأمهات بفساتين زاهية الألوان علي مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وفي المناسبات الاجتماعية ردًا علي اضطهاد حبيبة بسبب ارتداء الفستان، وهكذا أكدت سيدات وشابات مصر أنهن أقوي من تيار التشدد، وأنهن ترمومتر تقدم المجتمع وهن صمام أمانه الذي يؤكد تمسكهن بالاتجاه إلي التقدم مرة أخري  ورفض التشدد واختيار الحرية والأناقة مادامت تتماشي مع الاحتشام والعادات والتقاليد، ولهذا فإنني أقول  لحبيبة لا تخافي واكملي تعليمك وتمسكي بحريتك ومظهرك العصري الجميل والبسيط وبأناقتك كفتاة مصرية عصرية متعلمة لها حق أن يحترمها المجتمع، وأن تحميها الدولة.

 إن الحياة ما زالت أمامك يا حبيبة، ومن حقك أن تختاري ما تريدين أن ترتديه مادام مناسبًا للمكان ومادام في حدود الاحتشام، ولا بد أنك سوف تتحررين من سطوة التشدد بعد التخرج فى هذه الكلية أو غيرها، وسيمكنك أن تتمتعي بحريتك التي قيدوها دون وجه حق، فأنا قد رأيت صورتك بفستانك الذي أثار المشكلة في الجامعة، وأري أنه فستان محترم وجميل وبسيط، ولا يخالف العادات والتقاليد، وأوجه تحية تقدير خاصة لوالدك الذي ساندك في كل خطوة، وإلي أختك التي شجعتك علي استكمال الامتحانات، فلا تخافي ولا تحزني لأن فستانك قد أثار قلق المتشددين فقط، وليس المجتمع المصري، إلا أنه من ناحية أخري فإن قضية فستانك البسيط قد فتحت الباب للتمسك بحرية البنات المصريات، وفتحت الباب علي الثورة علي المد الوهابي والمظهر غير المصري، والذي يحاولون فرضه بقهر البنات والسيدات، وتدمير الهوية المصرية.. وأقول لكل فتاة أو شابة أو سيدة  مصرية، إن الحياه في مصر تتقدم إلي الأمام، وتيار التنوير من المـؤكد أنه سينتصر وهو يكتسب مؤيدين وأرضًا إضافية في كل يوم، ولن تقبل البنت المصرية أن تعود إلي الوراء، لأنها كانت دائمًا ثقف ضد الظلام وكانت تقف في الصفوف الأولي لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ للإطاحة بالظلاميين واتباعهم،
وستظل حبيبة الفتاة المصرية الطالبة في جامعة طنطا رمزًا للحرية ورمزًا لإرادة التقدم حتي لو لم تستطع أن تحقق انتصارًا علي  المسئولين في الجامعة الآن، وحتي لو لم يفعل لها وزير التعليم العالي شيئًا في قضيتها إلا أنني كنت آمل أن يساندها ضد تيار التشدد بداخل الجامعة إلا أنه من ناحية أخري، وفي المقابل فإنها قد لقيت تعاطفًا هائلًا من الرأي العام المصري عندما نشرت صورتها وتفاصيل واقعة الفستان علي صفحات التواصل الاجتماعي، وتمثل ذلك في دعم واضح وكبير لها علي مواقع التواصل الاجتماعي، ومن جانب المجلس القومي للمرأة متمثلاً في دعم د. مايا مرسي، رئيسة المجلس، علي صفحتها بـ«فيس بوك»، كما كتبت أنا مقالًا بـ«الدستور» دعمًا لها ومطالبة باحترامها وحمايتها ودعمًا لأحد العناصر المهمة في الهوية المصرية، وهو مظهر المصريات وملابسهن المصرية ونشرته صحيفة الدستور علي صفحاتها في شهر يوليو الماضي وقت أزمة فستان حبيبة بالجامعة.
ومن المؤكد أيضًا ولا بد أن أشهد  بأننا نعيش حاليًا في أزهي عصور دعم المرأة المصرية في ظل دعم الرئيس عبدالفتاح السيسي لها، وتقديره لمكانتها ومطالبته باحترامها ورعايته لأمهات وبنات وزوجات الشهداء ودفعه للمرأة في مناصب عليا، إلا أنه  يبدو أن هناك بعض المسئولين، وفي مواقع مهمة وحساسة  في بلدنا، ما زالوا يوالون ويدعمون تيار التشدد والتطرف حتي بداخل دور العلم وفي داخل الجامعات المصرية، وفي مواقع أخري ومؤسسات عديدة، إلا أنني أعتقد أيضًا، بل أن لدي يقينًا كاملاً، بأن  غدًا ستشرق شمس الحرية والتقدم في مجتمعنا بأقصى قوة ممكنة وسينتصر تيار التنوير انتصارًا مجيدًا وتامًا رغم أنف تيار التشدد والتعصب والتكفير.