رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قنافذ وسلاحف فى حياتنا!

فى حياة كل منا أنماط بشرية منها الإنسان «القنفذ» ويقابله الإنسان «السلحفاة».. فما قصة كل منهما.

القنفذ

نستقيظ صباحًا كل يوم على بركة الله.. لا يعلم خفايا يومنا غيره.. يمر اليوم بمرِّه المقبول المعتاد.. لم تكن الحياة على الأرض جنة.. تتعاركنا تفاصيل الحياة، يتخذ كل منا درعًا لمجابهتها.. أحد أمر وأقسى أشكال المجابهة التى لمستها أولئك القنافذ.. من اتخذوا من آلام حياتهم أشواكًا يشرعونها بوجوهنا.. أفهم القنفذ ولكنى لا أفهم الإنسان.

أن يقرر أحدهم أن يحول آلامه إلى أشواك فى وجوهنا كلما حاولنا الاقتراب! أن يستخدم عقله ومشاعره كإنسان لابتزاز مشاعرنا! وأشواكه كدرع كعذر غادر مقيت ليقابل أحضاننا بأشواكه؟

صغير هو القنفذ.. صغير جدًا، متضائل القيمة.. لكنه محارب. 

ترى تركيبته الضعيفة الهشة غالبًا.. فتمد يديك لتنقذه ولضيق أفقه يشرع أشواكه بحنايا دفئك الممدود له بحب.. معذور القنفذ؟ نعم حيوان هو، فحياة الغابة قاتل ومقتول ولكن! هل يؤذى الحيوان أحباءه؟ أولاده مثلًا! لا أظن. 

أولئك الذين يشرعون فى وجوهنا أشواكهم كلما اقتربنا بناء على استجدائهم للمشاعر الإنسانية هم أكثر المخلوقات غدرًا.. هم الأسواء.. مبررات آلامهم الداخلية أو تجاربهم أو.. أو.. لا تبرر لهم بعد الآن طلب الاحتضان وقت النداء.. لم أعد أقنع بتلك الخدعة المقيتة.. حتى القنفذ يعلم أحباءه من أعدائه. 

حجة الآلام الكامنة أو مشاكل الحياة أو.. أو.. هى حجة خسيسة نرجسية الهوى والأصل والمبرر.. هى حجة لنتقبل الأشواك مقابل الاحتضان المطلوب قهرًا وقصرًا بأسماء عديدة.. الصداقة.. الحب.. العشرة.. الشهامة.. الدم. 

يجتذبك «قنافذ الطبيعة» بمشاكلهم المتضخمة داخل نفوسهم الضيقة المساحة لأسباب عديدة.. لعل أحدها ألا أحباء لهم.. كل من تأذى بالشوك رحل يداوى خربشات جلده وروحه.. الجميع متهمون.. ظالمون.. الجميع أعداء. 

تتوجه لهم بكل الود لتحتضن آلامهم.. تتلقى طعنات الأشواك بخلايا فؤادك الذى أردت لهم سماع دقاته لتطمئنهم.. تبتعد فيجتذبونك باستعطافات واهية.. يمزقك الشعور بالتخلى ويضخمونه.. هل انضممت لقوائم الهاربين! الأعداء! 

حتى القنفذ يقرر شرع أشواكه للحماية من الأعداء لا المقربين.. القنفذ لا يحارب بأشواكه فقط يهرب من الأعداء حتى لا يقتربوا. 

أعتذر.. وعيت دروسى جيدًا.

امتلاء جسدى بالأشواك الدامية.. أتعامل مع جروحى بحكمه.. لا أجدها مبررًا لشرع أشواكى بمن يحاول تضميدى أو مد يد العون لمداواة جرحى من الآخرين. 

لا يتسع جهدى لمحاربه المزيد من الأشواك.. للإنسان القنفذ عقل واعى حكيم لصالح أغراضه ونفسه.. وجد المبرر لنفسه لكنه سيفشل فى إقناعى طالما وعيت. 

سأبقى على مسافة.. لن أقترب أبدًا. 

لم يعد أبدًا لدى مساحات لمزيد من الشوك حتى تعالجوا مبرراتكم وتجدون شرعية لإشراك أشواك احتضانكم.. اعتبروا ابتعادى أشواكًا رحيمة لا ترقى إلى قسوة أشواككم.

لكم أطيب أمنياتى بالتعافى.. وفقط.

السلحفاة

وكما أن هناك قنفذًا هناك سلحفاة.. ذلك المخلوق القابع فى هدوئه الهارب من ضجيج الحياة إلى خلوته.. القانع باللا حرب.. الهارب من حروب الحياة لقلعته الممنوحة من الخالق. 

كلما عركته النوائب.. كلما صادفته القنافذ لجأ إلى بوتقته لا حرب.. لا جدال.. لا استحواذ.. لا انتصارات مزيفة.. المنتصر فيها دائمًا خاسر. 

قناعاتى أنه لا انتصار أبدًا دون خسارة.. تتنوع الخسارات مع كل انتصار.. وكل يرضى بما يتماشى مع مبادئه.. احترم فى السلحفاة ما لا أحترمه فى القنفذ. 

قوة الانسحاب الشريف من المعارك الخاسرة الانطواء للملمة الروح، وخسارات النفس المقحمة عنوًا فى حروب تافهة لا هوى لها ولا هدف.. تختفى داخل مأمنها لا عن جبن ولكن عن قوة الترفع والانسحاب.. بالمنطق لا تدخل السلحفاة معارك، هى حكيمة صلبة المظهر .. خشنة.. يصعب الوصول إلى محتواها.

ولكن إن وصلتها المعركة.. تترفع ترفع الحكيم.. تدخل بوتقتها.. تمر رياح المعارك وتمضى.. تتأمل القابعة فى قلعتها كلًا من المنتصر والخاسر، كلاهما يلملم جراحه وانكساراته، الفرق الوحيد بينهما أن المنتصر خاسر لا يدرى أو لا يقر، والخاسر مقر بخسارته نادم عليها ولا يدرى أيضًا كم مكاسبه المخفية.

أحترم مساحة الانطواء داخل الجسد الصلب الخشن للملمة الروح.. نسيان الألم.. الترفع عن الحرب.. ثم الخروج مع الشمس الجديدة فى انتظار يوم جديد مزهر.. أو حرب جديدة تافهة تترفع عنها بالانسحاب.