رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشاعر محمد عبد الهادي: «جيلي يعاني من الصراع على الجنس الأدبي»

 المخرج والشاعر والمترجم
المخرج والشاعر والمترجم محمد عبد الهادي

يمثل الشاعر والمسرحي والسينمائي محمد عبد الهادي، حالة من التمرد على كل الأشكال الفنية والإبداعية فيما يخص عوالم المسرح والرؤية وشكل الإخراج تقنياً وجماليا.

«محمد» يكتب الشعر بقصيدة نثر جعلت الأوساط الأدبية والشعرية تحديدا تحتفي بل وتجمع على فرادة مساره الجمالي والتقني في قصيدة النثر، وهو مولود في مدينة بورسعيد وقدم عشرات المعالجات المسرحية لأكثر من جيل مسرحي وقوبل بإلاعجاب ونال أكثر من جائزة من هيئة قصور الثقافة له من الأعمال الشعرية.

«الدستور» التقته وكان لنا هذا الحوار:

- بصفتك المسرحية كامعد مسرحي وصاحب رؤية في الإخراج، كيف ترى أزمة مسرح الدولة خاصة وأنت المتمرد على الشكل والطرح المسرحي دوماً؟

لا أرى أزمة إخراج على مسرح الدولة، وأذرعه الممتدة في تمثيلات البيت الفني للمسرح؛ على العكس، هناك مخرجون جيدون، يقدمون منتوجا يشي بطفرة جيدة على مستوى المسرح الجاد: إسلام إمام، ووليد الشهاوي، وباسم قناوي وغيرهم؛ المشكلة الحقيقية تتجلى في مسرح الثقافة الجماهيرية، الذي تطيح به -جوار نقصان البنية الأساسية، وضعف التجهيزات والتقنيات- غياب الكيف على حساب الكم، وتصدر المجاملات والمحسوبيات؛ ليس هناك استراتيجية ولا أهداف واضحة، داخل أروقة الهيئة العتيق.

- عن تعدد مسارات إبداعاتك في الشعر والمسرح والسينما كيف ترى مفهوم الخلاص عند الفنان الكاتب، هل ينتهى دور المبدع مع انتهائه من نصه، أم هناك مفهوما آخر للخلاص أم أن الكتابة هي سلوى فقط؟

كأنك تطرح أسئلة نيتشة في (هكذا تكلم زرادشت): "من يقول الناس أني انا؟ واعد؟ منفذ وعود؟ وريث؟ شاعر؟ متكلم بالحق؟" وسأجيبك من نفس الزاوية: "الخلاص هو أن نحول (هذا ما كان) إلى (ذلك ما أردت)" ليس هناك خلاص؛ هناك إرادة، وهكذا لا أرى الخلاف داخل نفسي، بين الشعر، المسرح، والترجمة؛ الطريق واحد، فقط يغذيه تقلبات المزاج، والرقص المتشابك للأفكار؛ تستطيع أن تقول إنني أصنع دياليكتيكا بينهم جميعا.

- عن قضية الشكل والتقنية في شعرية قصيدة النثر وتلك الجلبة الدائمة التي تثار من حينا لآخر فيما يخص مجايليك في تيار القصيدة النثرية، ليتك تحدثنا عن تلك الإشكالية واحتدام الصراع بين الأجيال حول قضية الشعر؟

للأسف، لا أظن جيلا شعريا، يعاني من احتدام الصراع الشكلي على الجنس الأدبي، مثل جيلي؛ الاحتراب بين العموديين الجدد وشعراء قصيدة النثر على أشده، بينما يتراوح التفعيليون بين الميل هنا تارة، وأخرى هناك.

وأعتقد أن تغذية هذا الانشقاق أيديولوجي؛ تسعى الأنظمة لتكريس القديم، المستتب، وتفتح الباب أمام العموديين لتمرير نصوصهم -غير المرغوب فيها شكلا، باعتبار العصر- بطرق الجذب المالي، وخلع المسميات البراقة، بينما يناهض المجددون ذلك بالاستحواذ على سلاسل النشر، وتضييق الاعتراف بالشاعرية من خلاله، عن طريق تحجيم نشر القصيدة العمودية، وما كان أن انسحب النزاع الثقافي ناحية العلاقات الاجتماعية، وكأن الأشكال التي نكتبها، عقائد ندافع عنها!

الثقافة والفن لا يعملان في حيز زمني ضيق، لذا فمصطلح "اللحظة الراهنة" مخادع تماما؛ المشكلة في غياب المشروع الثقافي النازع للتجديد، وتصدر الأفكار القديمة، التي تحاول العودة إلى الحياة عنوة، في مقابل التيارات التي تحاول تقديم رؤى مغايرة للعالم. الواقع مأزوم، لذا أعتقد أن تضافر الأشكال الفنية جميعها، ضرورة ملحة، إن أردنا العبور ناحية مشروع ثقافي كامل.

- عن تداخل المسميات فيما يخص أشكال الفن ومصطلحات الحداثة وما بعدها، هل هناك تقيد مباشر لدى الكاتب تمثلة سطوة الأيدولوجيا ؟

تداخل ما بعد الحداثة في سياقات الحداثة، يناهض، تماما، فلسفة التنوير، ومركزية العقل، واعترافه بالحقيقة المطلقة؛ ليس هناك سرديات كبرى -من حيث أتيت انا- وبالتالي لا أومن بمحاولات تغيير السلوك البشري، التي دفعت بها الحداثة بتمرير ثقافة الاستهلاك، وفرض الأيديولوجيا بالقوة؛ وهكذا، يتأرجح الكاتب، في رأيي، بين الحضور والغياب، لأن حضوره الكامل يعني فرض محدودية على النص.

- بصفتك مواطن وفنان وكاتب وشاعر بورسعيدي، ليتك تحدثنا عن الجديد من الفن الكتابي والإبداعي المتعدد المسارات في مدينة بورسعيد؟

الأشكال الإبداعية الحالية، في بورسعيد، تتناسب وتخلي المدينة عن كوزموبوليتانيتها؛ هل يذهب الناس إلى الفن والأدب، في شوارع متسخة، تقف على نواصيها تماثيل مشوهة فنيا، وتعج بالقبح البصري والسمعي؟ وعزوف هؤلاء عن الحضور، حول الأماكن الفنية إلى كانتونات؛ مجموعات منغلقة على ذواتها، فأنتجت نماذج مكررة، وباهتة، وغارقة في الصراعات بعيدا عن جموح التجريب، ناهيك عن تورطها الديني والسياسي.

- ماهو حلمك أو أمنيتك الفردية أو الجماعية إذن فيما يخص المشهد الفني والجمالي أو الإبداعي بشكل عام وهذا بعيدا عن ثمة تفاعل ناقص؟

أتمنى إعادة تشكيل مفهومي الأقليات والأغلبية، وقبول فكرة التنوع؛ إن الوصول إلى تلك النقطة، سيحل الكثير من الإشكاليات المجتمعية، التي تعتبر الثقافة، وظهيرها الفني، إحدى معاناته. على المستوى الفني، أتمنى ألا أتخلى عن نزعات التجريب، يأسا، فالمشوار صعب دائما.

- عن مركزية القاهرة وما سمي بأطراف وهامش الأقاليم في مدن مصر المختلفة وتعاطيها مع أشكال الفنون والآداب، هل أنت مؤمن بتلك المقولات؟

مسألة الأقاليم تظهر دائما في خطاب السلطة الثقافية المركزية؛ مررتها، وصدقها الأدباء والفنانون، ثم تحولت لشماعة، يعلقون عليها خيابتهم؛ إن نقص الإمكانات المادية في الأقاليم الثقافية، باعتبار المقارنة مع إمكانات المركز القاهري، كان يمكن تحويله إلى عامل مستفز، بدلا من سبيل للإحباط، إن نظرنا للإمكانات الفردانية في الأقاليم، والتي لا تقل عن نظيراتها المركزية، ولايوجد مركز حقيقي في نظري؛ يوجد مؤمنون بالمركز، وهؤلاء ينتجون مشكلتهم بإيمانهم هذا.