رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سفراء إثيوبيا لدى أديس أبابا!

 

السفير الإثيوبى لدى القاهرة اختار هيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، وقناة «الحرة» الأمريكية، ليعلن من خلالهما عن اعتزام بلاده تعليق عمل سفارتها فى مصر، بداية من أكتوبر المقبل، لـ«أسباب تتعلق بالوضع الاقتصادى» أدت إلى «عدم توافر موارد مالية كافية لعمليات التشغيل اللازمة»، نافيًا أن يكون للأمر علاقة بقضية السد، الذى تبنيه بلاده على النيل الأزرق.

تعليق عمل السفارة، أو إغلاقها، لا علاقة له، فعلًا، بذلك السد، بل يرجع إلى جهل رئيس الوزراء الإثيوبى بطبيعة مهام البعثات الدبلوماسية فى الخارج، الذى جعله يتصور أن بإمكانها أداء عملها من الداخل أو من منازلها. والغريب، أنه لم يجد من يعارضه حين طرح هذا التصور العبثى أمام مجلس نوابه، فى ٥ يوليو الماضى، زاعمًا، على سبيل المثال، أن سفير بلاده فى كينيا، يُمكنه أن يقيم فى أديس أبابا، ويتابع الأحداث فى نيروبى عبر وسائل الإعلام، ويقوم برحلات ميدانية حين تقتضى الحاجة!

ترسل الدول بعثاتها الدبلوماسية إلى الخارج لتمثيلها والدفاع عن مصالحها، وبغض النظر عن التقارير، التى ترسلها تلك البعثات بشأن الأوضاع والتطورات الاقتصادية، والثقافية، والتجارية، والعلمية، فى الدول المضيفة. ولو تجاهلنا عملها على تنمية سبل التعاون وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها. فإن هذا التصور الساذج، ولن نقول العبيط، يضرب عرض الحائط بملايين الإثيوبيين فى الخارج، الذين من المفترض أن ترعى بعثات بلادهم مصالحهم، وأن توفر لهم الحماية وتقدم لهم ما يحتاجونه من خدمات. 

المهم، هو أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى، تمت ترجمتها إلى قرارات وأفعال، وأعلنت سفارة إثيوبيا لدى الجزائر، منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، عن إغلاق مستشارية البعثة الإثيوبية. وقالت السفارة فى حسابها الرسمى على «فيسبوك»، إن أعمال المستشارية، سيتولاها سفير غير مقيم، موجود فى أديس أبابا، اعتبارًا من ١٠ أكتوبر المقبل. كما تسلمت السفارة الإثيوبية لدى الكويت، أيضًا، إشعارًا من «الخارجية الإثيوبية»، منذ أسبوع تقريبًا، بأن تغلق مقرها فى منطقة القادسية بشكل نهائى، وأكدت مصادر أن الإغلاق سيشمل كل سفارات إثيوبيا فى دول الخليج، على أن تكون الإمارات مقرًا إقليميًا للدبلوماسية الإثيوبية فى تلك المنطقة.

بين إغلاق هذه وتلك تحدثت تقارير عن قيام إثيوبيا بإغلاق سفاراتها فى المغرب وعُمان وإندونيسيا وأستراليا وكوبا والبرازيل وكندا وزيمبابوى، و... و... ووقف عمل قنصلياتها فى لوس أنجلوس ومينيسوتا وفرانكفورت وإسطنبول ودبلن ومومباى و... و... ومع ذلك، وصفت الخارجية الإثيوبية، تلك التقارير بأنها غير دقيقة. وقال دينا مفتى، المتحدث باسمها، خلال مؤتمر صحفى عقده بداية الشهر الجارى، إن بلاده لا تسمى ذلك «إغلاق سفارات» بل تقليل عدد السفارات وتعديل طريقة عملها. مشيرًا إلى أنهم يمكنهم الاحتفاظ بدبلوماسيتهم دون إقامة سفارة!

على دين خليله، أو رئيس وزرائه، إذن، سار ذلك المتحدث، كما سار ديميكى ميكونين، وزير خارجيته، الذى تباهى منتصف الشهر الجارى، بـ«الإصلاحات الدبلوماسية»، التى تحققت فى عهده، زاعمًا أنها عززت قبول إثيوبيا على المسرح العالمى، وأكملت «الإصلاحات السياسية والاقتصادية بعيدة المدى التى تشهدها بلاده». وزاد على ذلك، فاتَّهم من وصفهم بـ«المناهضين للسلام»، على المستويين المحلى والدولى، بأنهم يحاولون وقف تلك الإصلاحات!

نعرف، كما تعرف، أن التوترات الداخلية والنزاعات المتعددة بين الجماعات العرقية، زعزعت استقرار إثيوبيا وكادت تدمر اقتصادها المتعثر أصلًا. وبلغنا ما بلغك، عن الخسائر، البشرية والمادية، الفادحة، التى تسببت فيها الحرب فى تيجراى، المستمرة منذ ١٠ أشهر، وضاعفها تفشى وباء كورونا المستجد وغيره من الأوبئة، والممارسات الإثيوبية العدائية المتواصلة فى محيطها الإقليمى.. ونتوقع، كما يتوقع صندوق النقد الدولى، انخفاض معدل النمو من ٦٪ سنة ٢٠٢٠ إلى صفر٪ خلال العام الجارى.. ويقلقنا، كما يقلق المراقبين، تزايد الديون الخارجية. غير أن ذلك كله لا يصلح مبررًا لإغلاق السفارات، لأنه ببساطة مجرد أعراض لمرض واحد، تعانى منه إثيوبيا منذ وقوعها فى قبضة مختلين عقليًا، بلهاء أو عملاء، باتت الإطاحة بهم، شرطًا أساسيًا، لاستقرار تلك الدولة، وسلامة منطقة القرن الإفريقى والقارة السمراء بأكملها.