رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدوغرى

كنت قد انتهيت من كتابة مقالى فى المساء على خلاف العادة، استيقظت صباحًا لأجد أن الرئيس السيسى يفتتح محطات جديدة لتحلية المياه، رغم أهمية الحدث قلت لنفسى ما الجديد؟ الرئيس السيسى يفتتح مشاريع جديدة كل يوم تقريبًا، أو ربما بمعدل يوم ويوم، حتى فى أيام الإجازات.. قررت أن أنشر المقال الذى كتبته عن علاقة المصريين بالضرائب.. أغلقت شريط الصوت وتابعت الافتتاح.. عادة ما أكتفى بمتابعة العناوين الخبرية على الشاشة، وأشاهد اللقاء كله عند إعادته فى مكتبى.. أمسك الرئيس بالميكروفون، ففتحت زر الصوت، كان يقول «البلاد ما بتجيش بالدلع والطبطبة، البلاد بتيجى بالعمل، ولازم الكل يعرف إن الغلط ما يتسكتش عليه»، كان الرئيس يتحدث عن عدم السكوت على حالات التعدى على الأراضى الزراعية، وخطورتها، كان يحذر من ينوى التعدى، ويقول إن الإزالة ستتم على نفقة المتعدى.. وجدت نفسى أقول هذا رجل «دوغرى»، أنا نفسى استغربت اللفظ الذى قفز إلى ذهنى، ربما لأنه من الألفاظ القديمة، وربما لأن المعنى نفسه أصبح غائبًا عن حياتنا.. ذهبت أبحث عن معنى اللفظ الذى سيطر على تفكيرى فوجدته يعنى الاستقامة أو السير للأمام، وأنه لفظ عربى فصيح، لكنه أيضًا موجود فى اللغة التركية، وله نفس المعنى فى مصر والحجاز، وسوريا، فى السودان يقولون «امشى دوغرى»، أى امش للأمام، ويستخدم الأتراك الكلمة بنفس المعنى، أما فى الفصحى فهى تحمل معنى أكثر شدة، حيث يقول العرب «دغرى لا صفا» أى اقتحموا عليهم ولا تصافوهم، والفعل «دغر» على وزن فعل.. وتقول العرب «دغر فى البيت» أى دخل فيه.. والحقيقة أن رئيس مصر «دوغرى» بالمعنيين.. الفصحى، والعامية.. فهو رجل مستقيم يسير للأمام كما يقول المعنى العامى، وهو لا يناور، ولا يزوق الكلام، ولا يمارس حيل السياسى الذى يراضى هذا، ويرشو ذاك، ويترك هذا يفسد، وهذا يخالف، حتى يرضى عنه الجميع ويتركوه ينعم بالكرسى وينعموا هم بما تيسر لهم.. وهو (دوغرى) أيضًا بالمعنى الفصيح الذى يعنى الاقتحام، وإزالة المخالفات، كما أعلن هو نفسه.. والاختصار أننا أمام رجل مستقيم، يضع إصلاح الدولة المصرية نصب عينيه، ويستعين بثقة الشعب والجيش فى تنفيذ خطة الإصلاح، شاء من شاء، وأبى من أبى.. وأحب من أحب وكره من كره، وهو فى سعيه هذا أقرب لثائر منه لسياسى تقليدى، ولا جدال أنه يحقق أهداف الثورات المصرية جميعًا، بما فيها ثورة يناير، إذا كان هدفها النهوض بمصر وجعلها دولة قوية، لكنه يسير على أهدافها بـ«أستيكة»، إذا كان هدفها هو إسقاط الدولة المصرية، هو ثائر على العوامل التى أضعفت الدولة المصرية فى العقود الأخيرة، وثائر على الرخاوة فى تطبيق القانون، وثائر على عدم وعى بعض المصريين بالقانون، وبضرورة الحفاظ على بلدهم.. وهو فى ثورته هذه يعى أن الحفاظ على الدولة وتقوية مؤسساتها هما طريق المصريين لتحقيق أهداف النهضة، وليس العكس.. هذه رؤية للتاريخ ولعلاقة المصريين التاريخية بالدولة، ولجغرافيا مصر السياسية، وهى رؤية لا يقف أمامها إلا مغرض أو عاجز عن الفهم، وستثبت الأيام صحتها، كما تكفلت بأشياء كثيرة.