رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولة المدنية والأحزاب الدينية

 

الدستور هو كتاب الوطن الأعلى الذى يُلزم الكل، وإن كانت هناك ظروف موضوعية تحُول بين الواقع وتطبيق بعض مواد الدستور، وهذا يُعد وضعًا طارئًا يزول بزوال الظروف، ويتم تنفيذ وتطبيق مواد الدستور الملزمة للجميع.

تقول المادة «٧٤» من الدستور: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط مُعادٍ لمبادئ الديمقراطية أو سرى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى».

لذا جاء فى الدستور أن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، حتى ولو كان هذا فى مقدمة الدستور التى لا تنفصل عن محتواه.. كما أن الظروف الموضوعية التى عاشها الوطن- طوال سيطرة الجماعة فى عام حكمها فى صورة الدولة الدينية الرافضة لكل آخر، والتى عانى منها الشعب كل المعاناة، حتى استطاع هذا الشعب العظيم إسقاط تلك الدولة المتشدقة بالدين- جعلتنا نقتنع كل الاقتناع بوجوب الدولة المدنية وليس الدولة الدينية تحت أى اسم أو فى ظل أى مبرر، فكانت ثورة ٣٠ يونيو فى مصر الطريق الذى سار فيه بعض الدول العربية الشقيقة، مثل السودان وتونس وأخيرًا المغرب، عن طريق صندوق الانتخابات، وهو غير غزوة الصناديق.. والأهم أن نظام يونيو حاول، ويحاول، تطبيق مفهوم «المواطنة» التى يتساوى فيها الجميع أمام الحقوق والواجبات دون أى تمييز ودون أى استثناء، حيث إن المواطنة تعنى فى مضمونها الأساسى عملية قبول الآخر، أى آخر، دينيًا أو غير ذلك.

وعلى ذلك وجدنا، ونجد، السيسى ينادى بكل الطرق داعيًا إلى تصحيح وتجديد الفكر الدينى الذى هو فكر البشر غير المقدس فى تفسير وتأويل النص الدينى المقدس.. ورغم ذلك ما زلنا نرى أحزابًا دينية؟ نعم أحزابًا دينية، ولقد عشنا ممارسات تلك الأحزاب المسجلة، والتى لا تكذب، من تفرقة واستحواذ ومتاجرة باسم الدين ورفض كل آخر غير المنتمى لقطيع هذه الأحزاب.

ففى المسجل، صورة وصوتًا، لممارسات على الأرض لهذه الأحزاب وتطبيق لقناعاتها السياسية ورؤيتها الدينية التى تخصها وحدها ولا تخص غيرها من المسلمين ومن غير المسلمين- وجدنا تكفير الآخر، ليس بالمفهوم اللغوى لكلمة تكفير، على اعتبار أن من لم يؤمن بأفكارى فهو كافر والعكس صحيح، وهذا غير المقصود لدى هؤلاء، وهو بأنهم كفرة وغير مؤمنين بالله سبحانه وتعالى، وبالمرة إلى جهنم وبئس المصير.. ماشى، هذه قناعة فكرية لا نتدخل فيها طالما كانت فكرًا لم يرَ التطبيق، فما بالنا عندما يكون هذا فكرًا وخطة للحكم تحكم وتسيطر على الجميع، والأمثلة عديدة، على رأسها رفض الأقباط ومعايدتهم وحبهم، وتصريحات مرشدهم القابع فى الإسكندرية لا تحتاج إلى تذكير وتذكر.. فهل هذا لا يعتبر تفرقة طائفية؟.

وعندما يرفضون المرأة ويضعون مكان صورتها «وردة»، أليس هذا تفرقة على أساس النوع؟ وعندما تكون أفكارهم واجتهاداتهم رافضة للآخر وللتقدم والتطور الذى أراده الله حتى تسير الحياة وتكون الأديان صالحة لكل زمان ولكل مكان، وعندما تكون قناعاتهم أنهم جماعة مغلقة على تابعيها فى الوقت الذى يتصورون فيه أنهم يملكون الحقيقة المطلقة، إضافة لتحقيق مصالحهم الذاتية والحزبية بكل الطرق التى تعتمد على تأجيج العاطفة الدينية زورًا وبهتانًا وباسم المحافظة على الدين «الذى يحفظه الله وليس هم ولا غيرهم».. وعندما تكون رؤيتهم وقناعتهم وانتماؤهم للوطن على اعتبار أنه حفنة من التراب العفن، وأن هذا الوطن ما هو غير إمارة أو ولاية فى دولتهم الإسلامية التى يتاجرون لها، حيث إن الإسلام لم يحدد شكل ماهية الدولة غير الالتزام بكل المقاصد العليا للإسلام التى لا تفرق بين إنسان وآخر.

عندما يكون الاختيار وإدارة الدولة على أساس الانتماء التنظيمى- الذى هو بعيد كل البُعد عن أى قواعد سياسية أو كفاءة علمية- هنا أليس من حق المواطن، وفى ضوء المشاركة السياسية التى أجازها الدستور والقانون أن نسأل: لماذا حتى الآن الإبقاء على وجود هذه الأحزاب؟ نعم بعد يونيو كانت هناك ظروف تحتم السير فى إطار التوحد لمن يريد التوحد، خاصة من هذه الأحزاب، فى مواجهة الجماعة التى ادعت، ودائمًا تدعى، بأن مواجهتها وكشف حقيقتها هى مواجهة للإسلام المتاجرين به!!. الآن استقرت الأحوال والحمد لله، وإن كان بالطبع ينقصنا الكثير الذى يتحقق بالتلاحم والمشاركة السياسية من كل القوى فى إطار الدستور والقانون.. فلماذا لم يتم البت فى الدعاوى المرفوعة ضد هذه الأحزاب الدينية التى تخالف الدستور، والتى تهدد قيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة؟.. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.