رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إضعاف اقتصاد الدولة

 

حاولت الجماعات الدينية إضعاف اقتصاد الدولة فى بداية الثمانينيات والتسعينيات على ثلاثة مراحل: 

المرحلة الأولى: مهاجمة البنوك والاستيلاء على أموالها

كان الهدف من تلك المرحلة محاولة الحصول على التمويل اللازم للعمليات التى يقومون بها، وإضعاف ثقة العملاء فى تلك البنوك من ناحية أخرى.

كانت عملية الاستيلاء على أموال البنوك نابعة من فكرة الاستحلال التى أفتى بها الشيخ عمر عبدالرحمن قبل حادث اغتيال السادات، وبموجبها تم السطو على بعض محلات الذهب للاستفادة من أموالها فى عمليات التمويل. 

فى يوم ٢٩ يناير ١٩٩٥ اقتحم مسلحون بنك التنمية والائتمان الزراعى بقرية إتليدم التابعة لمركز أبوقرقاص، فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا، وأطلقوا الرصاص فى الهواء بصورة عشوائية لإرهاب موظفى البنك والعملاء الموجودين، وتمكنوا من الاستيلاء على خزينة البنك وبها ١٨ ألف جنيه نقدًا وبعض الأوراق المالية ومستندات البنك.

وفى اليوم التالى قام ملثمون بالاعتداء على فوزى محمد الشيخ، صراف الإدارة التعليمية بمركز العدوة، أثناء سيره بقرية عطف حيدر التابعة للمركز وفى يده حقيبة بها مبلغ ٢٣ ألف جنيه.

وفى ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٠ وقع حادث سطو مسلح على البنك الأهلى بمدينة المراغة التابعة لمحافظة سوهاج، وتمت سرقة أكثر من ربع مليون جنيه، وقد تبادل رجال الحراسة معهم إطلاق النار، وأصيب أحد المهاجمين، وبعد دقيقتين عاد الإرهابيون من جديد وقتلوا زميلهم المصاب حتى لا يعترف عليهم. 

وفى ديسمبر ١٩٩٤ أحبطت أجهزة الأمن محاولة للسطو على بنك الإسكندرية فرع الإسماعيلية، والاستيلاء على الأموال الموجودة به، وأعد أحد المتهمين شريطًا لاصقًا وحبالًا لاستخدامها فى تقييد حركة حراس البنك.

وفى يوم ٦ أغسطس ١٩٩٦ قامت مجموعة من الملثمين باقتحام بنك العياط، وكانوا يحملون الأسلحة الآلية، وقاموا بتهديد العملاء والعاملين فى البنك بإطلاق الرصاص، وقد بلغت قيمة الأموال المسروقة من البنك ٣٨٥ ألف جنيه.

المرحلة الثانية: مرحلة شركات توظيف الأموال

فى الفترة من ٨٥ إلى ٨٨ تنامت شركات توظيف الأموال واستطاعت جذب آلاف المودعين وأكثر من مليار و٦٠٠ ألف دولار، وتمكنت من النفاذ إلى شخصيات سياسية ودينية واقتصادية، ووجدت دعمًا حكوميًا من وزراء عملوا مستشارين قانونيين عندها.. وحصلت على فتاوى من مشايخ لهم مكانتهم وتأثيرهم، وقامت هذه الشركات بحملات إعلانية واسعة فى الصحف والتليفزيون للدعاية والترويج.. ولعبت ما يعرف بـ«كشوف البركة» دورًا مهمًا فى الحصول على مساندة شخصيات نافذة وكانت تصرف لهم من هذه الشركات مكافآت بالآلاف، ومنهم عدد من رجال الأمن والمستشارين، وكان هؤلاء يحضرون مقابلاتهم مع المسئولين فى البنوك وفى المؤسسات الصحفية وكانوا يستغلونهم للإيحاء بقوة نفوذهم.. وظهرت اتهامات وشبهات حول ٢٥ شخصية سياسية، بينهم ٧ رؤساء وزارة، ووزراء سابقون، و١٢ عضوًا بمجلس الشعب، وعدد من المحافظين السابقين، وقد تورط هؤلاء فى استغلال نفوذهم وسلطاتهم فى انحرافات شركات توظيف الأموال، واشتراك عدد منهم فى نشاط تلك الشركات كمساهمين أو مودعين بأسمائهم أو أسماء أقربائهم.. فقد سكتت الصحف القومية والمعارضة عن النقد والاعتراض وقول الحق بسبب حملات الإعلانات بالصحف، وشراء الذمم، وتعاقد بعض الشركات على مطبوعات تجاوزت قيمتها ٥٠ مليون جنيه، والهدف لم يكن الاستثمار وإلا لكانت تلك المبالغ أقامت أكثر من ١٠ مطابع حديثة، ولكن الهدف هو الإسكات، وقد كانت آخر قلاع الصمود الصحفية مؤسسة روزاليوسف التى استسلمت فى خريف ١٩٨٧ بعد عقد لمطبوعات مع شركة الريان يتجاوز ٢ مليون جنيه.. الأخطر أن هذه الشركات قامت بحملة منظمة وواسعة النطاق ضد البنوك الحكومية بدعوى أن الفوائد المصرفية حرام، وأن الحلال فى المرابحة التى تقوم بها.. وبذلك تمكنت تلك الشركات من امتصاص السيولة من السوق، وبدأت فى المضاربة على الذهب والفضة والعملات الأجنبية، خصوصًا الفرنك الألمانى.     

بدأت الحكومة تكتشف أن هذه الشركات تتهرب من الضرائب، وأوضاعها غير قانونية، ومخالفاتها لا نهائية ولها تصرفات مريبة، وحقوق المودعين فيها غير مضمونة.

وفى أغسطس ٨٤ صدرت قرارات بوقف حسابات تجار العملة بالبنوك، كانت الأسماء الخمسة الأولى منها لأصحاب شركات توظيف الأموال، والتى وضع أغلبها على قائمة الممنوعين من السفر.. وقد حاولت الحكومة التفاوض مع رؤساء تلك الشركات، لأجل هذا شكّل الدكتور عاطف صدقى لجنة من الدكتور يوسف والى، أمين الحزب الوطنى ووزير الزراعة والاستصلاح، والدكتور عاطف عبيد، وزير التخطيط، واللواء زكى بدر، وزير الداخلية، للاجتماع برؤساء خمس شركات، وهم: سامى على حسن «أشهر تاجر عملة فى مصر»، أحمد توفيق عبدالفتاح، محمد توفيق عبدالفتاح، أشرف السيد على السعد، صاحب شركة السعد لتوظيف الأموال، محمود طاحون، رئيس مجلس إدارة شركة بدر للاستثمار، وتم الاتفاق على أن تتوقف الشركات عن قبول الإيداعات من الخارج مقابل أن تقوم الحكومة برفع أسماء رؤساء شركات توظيف الأموال من قوائم الممنوعين من السفر، وإذا كانوا يرغبون فى المضاربة يضاربون خارج البلاد على العملات وعلى الأسهم وعلى السندات. 

وقد ذكر الرئيس مبارك صراحة مدى تغلغل شركات توظيف الأموال، قائلًا: «عندما تطور موضوع هذه الشركات اضطرت الحكومة للتدخل، ولو كنا تدخلنا قبل ذلك لوجدنا دفاعًا مميتًا عنها من جانب المعارضة وصحفها، وحتى فى بعض الصحف القومية كانت هناك مقالات شديدة تهاجم من يقف ضد شركات توظيف الأموال، وعندما وقعت الواقعة أصبحت الحكومة هى المسئولة».