رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد درويش.. باعث النهضة الموسيقية

سيد درويش
سيد درويش

ارتبطت الأغنية الوطنية بظهور مفهوم الوطن والقومية، وتطورت من خلال تقديم أفكار جديدة وتسليط الضوء على أهداف التعليم والأدب والنهضة خلال كلماتها، لترسيخها فى الوجدان الشعبى.

ومع قيام ثورة ١٩١٩ أصبح سيد درويش زعيم الأغنية الوطنية المصرية بامتياز، وباعث النهضة الموسيقية فى مصر والوطن العربى، من أول نشيده الشهير «بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى»، من تأليف الشيخ يونس القاضى، إضافة إلى أغنيته: «قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.. خد بنصرى نصرى دين واجب عليك»، و«أنا المصرى كريم العنصرين.. بنيت المجد بين الأهرامين».

وشهدت الأغنيات الوطنية الكثير من التطوير بعد ثورة ٥٢ يوليو، حيث انطلق الشعراء والملحنون والمطربون فى ماراثون تقديم أعمال وطنية تشجع الجماهير على مقاومة الاستعمار والحصول على الاستقلال وغيرها.

من بين تلك الأغانى، واحدة مُنعت كلماتها من التسجيل فى عهد الملكية، وتحمل اسم «نشيد الحرية» من أشعار كامل الشناوى، وبعد ثورة ٥٢ يوليو قرر مجلس قيادة الثورة تقديمها للجمهور بصوت موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وكان لاكتشافها وإعدادها وتقديمها كواليس وأسرار عديدة.

بعد ثورة ٥٢ يوليو ذهب محمد أنور السادات، عضو مجلس قيادة الثورة آنذاك، إلى الإذاعة للبحث فى ملفاتها عن أغنية تصلح لتلهب حماس الشعب، وفى أثناء البحث عثر على ملف أغنية «نشيد الحرية» وكان يضم كلماتها، وعلى غلافه الخارجى وجد عبارة «مُنعت من التسجيل».

واستدعى محمد أنور السادات «عبدالوهاب»، وأبدى رغبته فى تسجيل الأغنية الممنوعة، لكنه اشترط فقط تبديل كلمة واحدة فيها؛ حيث نصت النسخة الأولى من النشيد «أنت فى صمتك مرغم، أنت فى صبرك مكره»، لتعدل إلى «كنت فى صمتك مرغم، كنت فى صبرك مكره».

ويظل أبرز من قدم الأغنية الوطنية هو محمد عبدالوهاب، حيث يمتد تراثه من الأغنيات الوطنية إلى ٦ عقود ابتداءً من ١٩٣٣ حتى الثمانينيات، أى قرابة ٦٠ سنة متواصلة، منها ٤٩ أغنية غنّاها بصوته، إلى جانب ٧ أغنيات غنّاها لدول عربية، كما لحّن قرابة ٢٠ أغنية لغيره من المطربين، ويكون مجموع ما لحن قرابة ١٦٧ عملًا، وهو عدد لم يقترب منه أى ملحن آخر فى هذا المجال.

ومن أشهر تلك الأغنيات التى قدّمها عبدالوهاب عام ١٩٣٦ «حب الوطن فرض عليّا... أفديه بروحى وعينيّا» اعتزازًا بانتفاضة الطلبة فى ذلك الوقت من ناحية، واحتفالًا بمعاهدة ١٩٣٦ التى أبرمها مصطفى النحاس، زعيم حزب الوفد، مع الإنجليز من ناحية أخرى، تلك المعاهدة التى اعتبرها المصريون آنذاك انتصارًا كبيرًا فى رحلة كفاحهم ضد الاستعمار.

وبطبيعة الحال، قدّم عبدالوهاب أغنيات وطنية عاصرت العديد من الحقب السياسية فى مصر، بداية من فترة الملكية، مرورًا بفترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وصولًا إلى فترة الرئيس الراحل محمد أنور السادات. كما قدّم محمد قنديل إسهامات بارزة فى مجال الأغنية الوطنية، ومن أبرز أعماله «ع الدوار.. ع الدوار.. راديو بلدنا فيه أخبار» التى طرحها بعد ثورة يوليو، وكذلك أم كلثوم التى أهدت مستمعيها أغنيتها الخالدة «مصر التى فى خاطرى وفى فمى أحبها من كل روحى ودمى» بعد أسابيع قليلة فقط من قيام الثورة. وروى الكاتب الصحفى محمد دياب، فى لقاء إذاعى، واقعة موثقة حدثت بعد ثورة ٢٣ يوليو مع كوكب الشرق أم كلثوم، قائلًا: «بعد قيام الثورة بأيام توجه الرئيس محمد نجيب للإذاعة، وناشد المؤسسات تطهيرها من أعوان الملكية والفساد والاستعمار، وكان آنذاك قائدًا للثورة ولم يكن رئيسًا للجمهورية بعد».

وتابع: «توجهت أم كلثوم فورًا للإذاعة وأشرفت بنفسها على مسح أغانٍ قدمتها للملك فاروق، ونشرت الصورة فى مجلة (الكواكب)، وتحتها عنوان شارح يقول إن أم كلثوم تقوم بكذا وكذا، ولها حوالى ١٩ أغنية عن الملك فاروق ومسحت منها حوالى ١٥ أغنية».