السودان وأزمة ذوى الأصول!
الكلام عن أصول حركة «حماس» الفلسطينية، التى ذكرت وكالة «رويترز»، أمس الأول الخميس، أن السلطات السودانية قامت بمصادرتها، وأوقفت كل عمليات تحويل الأموال إلى الحركة، وجمّدت حسابات شركات وأفراد يعملون لصالحها، ثم نفت «حماس» وجودها، وزعم حازم قاسم، المتحدث باسمها، لوكالة الأناضول التركية، أن الحركة ليس لها أى استثمارات فى السودان، فى حين قال موسى أبومرزوق، نائب رئيس «حماس» بالخارج، إن «بعض ما ورد قديم، وأكثره لا علاقة لنا به، ولا جديد فى هذا الصدد»!
عقارات وأسهم فى شركات، وفندق فى موقع متميز بالخرطوم وشركة صرافة ومحطة تليفزيونية، وأكثر من مليون فدان من الأراضى الزراعية. ونقلت وكالة «رويترز»، عن مصدر فى جهاز مخابرات غربى، أن الأساليب التى استخدمتها الحركة فى السودان، «شائعة فى أوساط الجريمة المنظمة»، موضحًا أن مساهمين مفوضين كانوا يرأسون الشركات، ويتم تحصيل إيراداتها نقدًا وإجراء التحويلات من خلال مكاتب الصرافة.
وجود أصول أو استثمارات لحماس فى السودان أكده تقرير نشرته جريدة «دى فيلت» الألمانية، Die Welt، فى ١٠ أغسطس الماضى، استندت فيه إلى وثائق، تم العثور عليها فى جهاز كمبيوتر تابع للحركة، تضمنت ميزانياتها منذ سنة ٢٠٠٨ إلى بداية ٢٠١٨. وفى هذا التقرير، توقع جوناثان شانزر، الذى عمل محللًا خاصًا بالمنظمات الإرهابية فى وزارة الخزانة الأمريكية، أن تتخذ الدول التى توجد فيها نشاطات مالية لحماس إجراءات لتفكيكها خوفًا من عقوبات دولية، إضافة إلى زيادة المخاطر المرتبطة بالنشاط المالى غير القانونى داخل حدودها.
تقرير «رويترز»، المنشور أمس الأول، نقل عن مصادر سودانية، أن السلطات وضعت يدها على كيانات وفرت الدعم، على مدار سنوات للحركة الفلسطينية، وتسلط الضوء على الحد الذى بلغه السودان فى القيام بدور الملاذ للحركة، فى ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير. وأوضح وجدى صالح، أحد الأعضاء البارزين فى «لجنة تفكيك نظام ٣٠ يونيو ١٩٨٩ واسترداد الأموال العامة»، أن السودان كان مركزًا لغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأشار عضو فى اللجنة، إلى أن قادة «حماس» صراحة، ربطتهم علاقات ودية بالبشير و«حصلوا على معاملة تفضيلية فى المناقصات والإعفاء من الضرائب، وسُمح لهم بتحويل الأموال إلى غزة بلا قيود».
مسئول بـ«لجنة تفكيك نظام ٣٠ يونيو ١٩٨٩»، قال إن استثمارات «حماس» فى السودان بدأت بمشروعات صغيرة، مثل مطاعم للوجبات السريعة، قبل أن تمتد إلى العقارات وقطاع الإنشاء. واستعرض تقرير «رويترز» أمثلة لشركات كبرى تتداخل ملكية الأسهم فيها، وتقوم بتحويل مبالغ مالية كبيرة إلى الخارج، بعضها يرتبط بعبدالباسط حمزة، القيادى بحزب المؤتمر الوطنى المنحل، الذى تم تقدير ثروته بـ١.٢ مليار دولار، وعاقبه القضاء السودانى، فى أبريل الماضى، بالسجن لمدة عشر سنوات، عن اتهامه بالفساد والثراء الحرام.
هناك أيضًا «قناة طيبة» التليفزيونية، التى نقلت «رويترز» عن ماهر أبوالجوخ الحارس، الذى تمت الاستعانة به لإدارتها أن القناة كان يديرها اثنان من أعضاء حماس حصلا على الجنسية السودانية وامتلكا شركات وعقارات، موضحًا أن «القناة التليفزيونية كانت تهرب الأموال من الخليج وتولت غسل ملايين الدولارات». أما ما لم تذكره الوكالة، أو مصدرها، فهو أن هذه القناة مملوكة للقيادى الإخوانى عبدالحى يوسف، الذى كان قد أفتى للبشير بجواز قتل ثلث الشعب لإخماد الثورة. وخلال محاكمة الرئيس السودانى المعزول لم ينف أنه منح يوسف مئات الآلاف من الدولارات، لكنه قال إن الأموال كانت لقناة طيبة التليفزيونية التى يرأسها وليست لشخصه.
قد لا يكون بعض ما ذكرته «رويترز» ومصادرها، صحيحًا، كليًا أو جزئيًا، أما المؤكد، فهو أن «حماس»، تصلها معونات وتبرعات من دول وكيانات، لا يعرف حجمها إلا الله وعدد من القيادات، كما تقوم بتحصيل ضرائب، تصل إلى ١٢ مليون دولار شهريًا، ولديها مشروعات عديدة داخل القطاع، تديرها بشكل مباشر أو عبر واجهات. وحتى وقت قريب، كانت تحقق عوائد مهولة من أنشطة التهريب عبر الأنفاق. ومع ذلك، تقول البيانات الصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية فى غزة، التابعة لحماس، إن حوالى ٧٥٪ من سكان القطاع فقراء وغير آمنين غذائيًا!
وتبقى الإشارة إلى أن الأصول، قد تعنى الأسس، التى يتم البناء عليها أو الاستنباط منها، كأصول الدين أو الفقه، وقد تعنى القواعد الأخلاقية المتبعة أو المتعارف عليها، كأن يُقال إن فلانًا يتعامل «حسب الأصول». وقد تعنى، أيضًا، الجذور أو الأهل، الذين ينحدر الإنسان منهم، وفى ذلك قال صفى الدين الحلى: «من غابَ عنكم أصلهُ، ففعالُه.. تنبيكمُ عن أصلهِ المتناهى». وهذا بالضبط، هو ما تؤكده فِعال حركة «حماس» التى تنبئ، دائمًا، عن أصلها الإخوانى.