رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيران فى إفريقيا خلف التنافس الاقتصادى

 

يشكل المسلمون السنة والشيعة الطائفتين الرئيسيتين فى الإسلام، وبرغم وجود صراع قديم وعنيف بين من يتصورون أنهم ممثلو هذا المذهب أو ذاك، فإن اللحظة الراهنة تشهد عنفًا مذهبيًا بصورة جديدة. ويتمثل ذلك فى الصراع فى كثير من البلدان مثل العراق، ولبنان، واليمن، حيث تقوم الدولتان المتنافستان على قيادة المذهبين، أى السعودية وإيران، باستغلال الاختلاف المذهبى خدمةً للمصلحة السياسية والاقتصادية لكل منهما.

وفى هذا الإطار تشكل القارة الإفريقية محورًا مهمًا للصراع بين الدولتين، وهو صراع يتخفى خلف التنافس الاقتصادى. فالتواجد الإيرانى فى إفريقيا يتصارع مع التواجد السعودى فيمن ينتصر على انتشار مذهبه مستخدمين فى ذلك الأدوات المختلفة ذات المصالح المتعددة والمتداخلة، ولكن سأركز فى هذا المقال على مصالح إيران الاقتصادية فقط، التى تخدم مصالحها من ناحية أخرى فى الانتشار الشيعى فى إفريقيا.

أدت العقوبات الاقتصادية ضد إيران إلى أن يكون الاقتصاد الإيرانى فى عزلة، فانسحاب المستثمرين الأجانب والشركات الدولية الكبيرة من الشراكة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أدى إلى اختيار القارة الإفريقية موطئًا للاستعاضة عن تلك الخسائر التى لحقت بها، لتمويل مشاريعها التوسعية، ولكن التواجد فى إفريقيًا ليس بالأمر السهل، لذا تسللت عبر «الوقوف جنبًا إلى جنب لهزيمة الهيمنة الغربية». بدأ التغلغل الاقتصادى أثناء حكم هاشمى رفسنجانى خلال الفترة من «١٩٨٩: ١٩٩٧»، حيث أولى اهتمامًا كبيرًا فى السياسة الخارجية إلى إفريقيا وجذب الاستثمارات الأجنبية، حتى وصل الأمر إلى ذروته فى عهد أحمدى نجاد، الذى تأسست فى عهده مجموعة من المصانع فى دول إفريقية مختلفة كمصنع «إيران خودرو للسيارات» فى السنغال، الذى يعد المصنع الأول من نوعه فى السنغال، وتصدر إيران من خلاله منتجاتها من السيارات إلى سائر الدول الإفريقية، وامتد التعاون إلى توقيع الاتفاقات التجارية والصناعية وإطلاق المشروعات الاستثمارية الضخمة. وقد خلق هذا التعاون الاقتصادى بين إيران ودول إفريقيا حضورًا مؤثرًا لإيران، وبالطبع أسهم فى التمدد الشيعى فى إفريقيا، فاستطاعت إيران فى سنوات قليلة أن تمارس فى دول مثل السودان ونيجيريا وإثيوبيا طقوسًا شيعية. ولم تقف ثمار هذه العلاقات الاقتصادية عند هذا الحد، بل فُتحت أسواق جديدة أمام القطاع الخاص الإيرانى، كما عززت إيران من علاقتها مع الدول التى تمتلك اليورانيوم، وتحديدًا فى غرب إفريقيا، كدولة غينيا، وهو ما أدى لزيادة تبادلها التجارى معها بنسبة ١٤٠٪.

بالطبع لإيران أيضًا مصالح اقتصادية واستراتيجية فى البحر الأحمر وهو ما جعلها تولى اهتمامًا كبيرًا لدول القرن الإفريقى والبحر الأحمر، فسعت لتوسيع السيطرة على الممرات المائية تحسبًا لأى صراع محتمل قد يلحق ضررًا على ملفها النووى، بالإضافة إلى طموحاتها فى فتح ممرات بحرية وبرية تسهل لها الوصول إلى مناطق الأزمات فى الشرق الأوسط، عبر تأمين وجود إيرانى قريب من هذه المناطق، وهو ما يعطيها قدرة استراتيجية على مواجهة أى تصعيد محتمل من القوى الخليجية وتحديدًا السعودية، ومن الناحية الأخرى فحضورها فى هذه المنطقة يسهم ويسهل من دعم حلفائها الإقليميين، بداية من الحوثيين وصولًا إلى حزب الله وحماس. وفى فبراير عام ٢٠١١ عبر هذا التواجد المكثف لها فى البحر الأحمر، واستغلال حالة الوهن والتغيرات السياسية والأمنية التى حدثت فى هذه الفترة، عبرت السفن الحربية الإيرانية قناة السويس للمرة الأولى لترسو أمام السواحل السورية، وهو ما كان يعد بمثابة جرس إنذار.

يبدو أن إفريقيا بعد الفراغ الذى أحدثته الإدارات السابقة المصرية فيها، والتى بدأت مع السادات بحالة من الفتور إلى أن أصبحت شبه مقطوعة مع مبارك وتحديدًا بعد حادثة أديس بابا، جعل الكثير من القوى الإقليمية يذهب إلى هناك حاملًا معه صراعاته الأيديولوجية، والاقتصادية، والسياسية، وكأن إفريقيا أصبحت المكان الذى تدار من خلفه الصراعات والاصطدامات، وهذا ما تدفع ثمنه مصر حتى الآن فى أزمة سد النهضة. وإن كانت مصر تحاول فى السنوات الأخيرة التواجد عبر زيارات دبلوماسية مكثفة، وإنشاء علاقات تجارية واقتصادية، وكلها تحركات محمودة، ولكن فى ظل التحركات التى حدثت من القوى الإقليمية الأخرى- سواء عربية أو غير عربية- تواجه مصر تحديًا أكبر عن ذى قبل، خاصة فى منطقة القرن الإفريقى التى تمثل عمقنا الاستراتيجى، فبجانب التحرك الدبلوماسى، يتعين العمل من خلال آليات تجارية واقتصادية مكثفة، أن تقوم مصر أيضًا بنقل الخبرات فى مجال البناء والتشييد، خاصة أن هذه المنطقة فى احتياج كبير لتطوير البنية التحتية، وتُشجع المستثمرين المصريين على الاستثمار فى هذه الدول ذات الاقتصادات الواعدة، وذلك من خلال تقديم التسهيلات لهم. كما يتعين العمل والتنسيق مع بعض الدول للعمل فى مشاريع تكاملية إنتاجية مشتركة، واستغلال الميزة النسبية لمصر الخاصة بكثافة العمالة رخيصة الأجر نسبيًا، بالإضافة إلى إسهام مصر ماليًا بنصيب معقول مع الدول فى المشروعات الاستثمارية الواعدة.