رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المدينة الباسلة لا تستحق هذا التمثال

يخطئ من يظن أن ولادة مدينة بورسعيد كانت مع حفر قناة السويس وأن شهرتها التاريخية كمدينة باسلة كانت مع العدوان الثلاثي عليها عام ٥٦ فالمدينة من أقدم مدن العالم قاطبة عندما كان اسمها (الفرما) ويقول التاريخ إنها أعظم مدن مصر خلال فترة حكم الأسر في العصر الفرعوني كما تؤكد البرديات أن (ست) قد قتل أخاه (أوزوريس) في هذه المنطقة وكلمة الفرما تعني (بيت آمون) بالقبطية وكانت تسمي (بيلوز) ووصل عدد سكانها إلي مائة ألف نسمة، وذكرت في التوراه باسم (سين) ومعناها قوة مصر، كما عرفت الفرما في العصر المسيحي باسم (برما) أو (برمون) وتعني أيضًا بيت آمون، وفي العصر الإسلامي أصبح اسمها تل الفرما، وتقع في حدود محافظة بورسعيد وتبعد عن مركز المدينة ٣٠ كيلومترًا غربًا.


وتكتسب الفرما أهمية تاريخية كبيرة، حيث فتحها الإسكندر الأكبر من دون قتال قبل دخوله مصر، كما بها قبر "جالينوس"، ويعتقد أن بها مجمع البحرين، الذي ذكره القرآن الكريم في سورة الرحمن: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)، كانت مدينة الفرما مفتاح مصر الشرقي، إذ كانت تشرف على الطريق القادم من الصحراء، وتملك ناصية البحر. وكان بها ميناء عظيم يطل على الفرع البيلوزي من النيل، لتتوسط بذلك طريق الغزو المشهور القادم من الصحراء أو من ناحية الشرق ومن البحر شمالًا، وهو طريق "رفح - العريش – الفرما - القرين- العباسية – بلبيس - عين شمس – بابليون"، كانت حصن منف الأمامي على طريق القوافل، وكان الفينيقيون يدخلون مصر بمراكبهم من هذا الطريق الذي شهد تسرب الهكسوس لمصر، وقد أقام الهكسوس مدينة ملاصقة لها اسمها "جات أورات" وبنوا عليها القلاع العظيمة والحصون ووضعوا بها حامية قدرها مائتا ألف جندي. وقد اجتاح الفرس مدينة الفرما عام 616، وحطموا كنائسها وأديرتها، وفي عام 640 استطاع عمرو بن العاص بعد حصار دام ما يقرب من الشهرين أن يفتح الفرما، وقد روى المقريزي أن قبط الفرما قد ساعدوا المسلمين أثناء الحصار، ومن الفرما بدأ الفتح الإسلامي لكل مصر.


هذه المقدمة التاريخية الطويلة اضطررت لسردها، فالكثير منا لا يعرف تاريخ المدينة بل البعض يندهش لماذا أصر زعماء مصر في العصر الحديث (عدا عصر مبارك والسبب معروف بالطبع) على توقيرها وتمييزها عن سائر المدن المصرية، فالرئيس عبدالناصر اختصها بأهم خطاباته وكان يستمتع ويضحك من قلبه في حواراته أثناء خطبه مع شعبها، كما ميزها الرئيس السادات بإقامه أول مدينة حرة في مصر، وكان يستمتع كل عام مع أسرته بإجازته الصيفية بشواطئها، واستمر تمييز المدينة في عصر الرئيس السيسي، فجعلها المدينة الرقمية رقم واحد وتحويل كل خطوط الإنترنت بها إلي فايبر أوبتيك، وأقام بها أول تجربة للتأمين الصحي الشامل وتم اختيارها عاصمة للثقافة عام ٢٠٢١.
لكن آثار رد فعل حادثة محاولة اغتيال مبارك في بورسعيد المزعومة ثم حادثة استاد بورسعيد الكارثية المدبرة من الإخوان أثرت سلبًا وبقوة علي مقدرات الشعب البورسعيدي، فهو حاليًا يعاني من القرارات المتعاقبة التي تصيب اقتصادات المدينة الحرة في مقتل، ويعاني من حرمانه من مشاهدة فريقه (النادي المصري) وعشقه الأول يلعب علي أرضه، رغم انقضاء مده العقوبه الظالمة (٥ سنوات) منذ أكثر من ٣ سنوات دون أي مبرر منطقي.


شعب بورسعيد، رغم وطنيته وعشقه للرئيس السيسي، يشعر بالظلم والاضطهاد من أجهزة الدولة وزاد الطين بلة سرقة أهم تمثال من معالم وتاريخ بورسعيد الحديثة (تمثال ديليسبس) ليلاً ثم قبول تبرع إحدي الشركات العقارية بوضع تمثال (أشبه بالمسخ دون مبالغة) لعروسة مولد بوجه رجالي مقتضب ليتهكم عليها القاصي والداني والمار بقناه السويس لتكون فضيحة عالمية بكل المقاييس.
أشاعوا أن التمثال للفلاحة المصرية، ولما علموا أن بورسعيد لا توجد بها زراعة أصلا ألبسوا التمثال تاجًا هزليًا وقالوا إنها تمثال لملكة مصرية قديمة، وزيادة في التهريج الرخيص تركوا الملكة حافية القدمين وذراعاها مكشوفتان، ولتكتمل أركان الجريمة الفنية وتلقى استحسانًا أطلقوا علي المكان اسم ساحة مصر وعلي التمثال المسخ أنه يشير إلي أن مصر أم الدنيا تحمل أشعة الشمس لتنير العالم.
استفزاز ليس بعده استفزاز وقتل للذوق العام والحس الفني لا تستحقه المدينة ذات التاريخ العريق والذوق الرفيع
وللحديث بقية.