رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نزيف مجهول».. علاقة خفية بين الدورة الشهرية ولقاحات كوفيد-19

 لقاحات كوفيد
لقاحات كوفيد

لغز جديد حّل علينا في الآونة الأخيرة استهدف النساء بشكل خاص، ووضعهن في حالة فزع طوال الوقت، من الآثار الجانبية الناتجة عن تلقي لقاحات «كوفيد-19»، فالأمر لم يعد مقتصرًا على الأعراض التنفسية البسيطة التي تصيبهن بعد تناول اللقاح، بل توغل ليعرضهن إلى نزيف حاد وتغيرات واضحة في دوراتهن الشهرية، وجعل العالم برمته مصدومًا ينتظر من يفك شفرته.

لم يجب أحد من العلماء على السؤال الأبرز حتى وقتنا هذا، والدراسات أيضًا التي أجريت بعد ظهور هذه الأزمة لم تصل إلى حل جذري يكشف سر تأثر النساء بالتغيرات الجديدة وعلاقتها بلقاحات الفيروس، لتؤكد فقط أن هناك مشكلة وضحايا لها، لكن السبب مازال مجهولًا.

في الأشهر التسعة الماضية، تلقت وكالة تنظيم الأدوية في المملكة المتحدة أكثر من 30 ألف تقرير عن تغيرات الدورة الشهرية لدى النساء بعد لقاحات «كوفيد-19»، بما في ذلك فترات أثقل من المعتاد، وفترات أخرى متأخرة، ونزيف مهبلي غير متوقع، لكن معظم التغيرات لم تدم طويلًا.

"الدستور" بحثت عن سر النزيف المجهول من خلال التواصل مع النساء اللاتي تعرضن لهذه التغيرات الجديدة من نوعها بعد تناولهن لقاحات الفيروس، والتطلع إلى الأعراض التي أصابتهن واختلفت من حالة لأخرى، ثم اتجهنا للحديث مع الأخصائيين المعنيين بالأمر، والذين كشفوا عن مفاجآت لم تخطر على البال.
 

حمل كاذب
قرب شهر ونصف، انقطع الطمث تمامًا عن «ياسمين» بعد تلقيها لقاح «كوفيد-19» في مايو الماضي، وكانت تظن في البداية أن الأعراض الناتجة عن تناوله ستشمل آلام المفاصل وارتفاع درجة الحرارة فقط، لكنها فوجئت بعد أيام قليلة بنزيف حاد يخرج من منطقة الحيض، رغم تأخر الدورة الشهرية عن الموعد المعتاد لها.
 


انتظرت صاحبة الـ34 عامًا، أكثر من أسبوع على نفس الحال، حتى قررت زيارة أحد أطباء النساء والتوليد، للاطمئنان على حالتها الصحية ومعرفة سر النزيف المتواصل وانقطاع الطمث لديها: «الدكتور كان بيتعامل معايا على إن أنا حامل، وقولتله لا دي مش أعراض حمل».

طلب منها الطبيب بعد ذلك إجراء تحليل طبي للتثبت من حقيقة الحمل، وكانت نتيجته سلبية كما أكدت «ياسمين»، ثم أرشدها لتناول أحد العقاقير الطبية التي تساعد على نزول الدورة الشهرية، وواظبت عليه لمدة ستة أيام دون أي جدوى، بل عرضها لمضاعفات أكثر شدة كونه يتحكم في الهرمونات بشكل كبير. 


لم يخطر على بالها أن لقاح «كوفيد-19» قد يكون السبب في حدوث تلك الأعراض، حتى شاهدت تقرير أجنبي عبر أحد المواقع الإخبارية يفيد بتعرض عدد من النساء لاضطرابات في الدورة الشهرية بعد تلقي اللقاحات: «توجهت إلى طبيب آخر وأخبرته أنني تلقيت التطعيم، ومنذ ذلك الحين لم تأتيني الدورة الشهرية، ودائمًا ما يحدث لي نزيف».

أخبرها الطبيب أنه لا يعلم مدى تأثير التطعيم على الأفراد، لكن من الوارد تسببه في حدوث هذه الأزمة، ولم يرشدها إلى تناول أي عقاقير طبية حتى لا تتضاعف الأعراض مرة أخرى، وبعد مرور شهر ونصف الشهر من المعاناة عادت الدورة إليها مجددًا لكن بمعدل أيام أكثر من المعتاد، وكمية كبيرة للغاية من الدم.

 وبالعودة إلى الوراء قليلًا، تذكرت «ياسمين» اليوم الذي تلقت فيه التطعيم، وحديثها مع طبيب الحميات في المستشفى، الذي حذرها من تناول لقاح «استرازينيكا» بسبب سنها الصغير، لكنها لم تستعب الأمر حينها حتى أصبحت إحدى ضحايا تغيرات الدورة الشهرية بعد لقاحات «كوفيد-19».

حنفية دم

إيمان أيضًا كانت إحدى النساء اللاتي واجهن تغيرات غريبة من نوعها بعد تناول التطعيم بأيام معدودة، رّوت لـ«الدستور»، الأعراض التي أصيبت بها وأنهكت جسدها طوال الفترة الماضية، دون إدراك سبب حدوث ذلك، كونها لم تخضع للكشف الطبي حتى قرأت منشور عبر «فيسبوك» يحذر الفتيات من اضطرابات قد يتعرضن لها بعد لقاحات «كوفيد-19».

أدركت الفتاة التي تبلغ من العمر 29 عامًا، أن التطعيم الذي تلقته مؤخرًا هو السبب في انقطاع الطمث عنها لمدة تجاوزت 3 أسابيع: «كان عندي حنفية دم طول الوقت وبصحى كل يوم ألاقي السرير والملايات متبهدلين».
 

كانت تظن في البداية أن لولب منع الحمل الذي تستخدمه هو السبب وراء ذلك، لذا قررت الانتظار وعدم التوجه إلى أحد أطباء النساء والتوليد، وحين أدركت تدخل اللقاح في حدوث تلك التغيرات، توجهت إلى الطبيب المتابع لحالتها الصحية على الفور، ونصحها بعدم تناول أي عقاقير طبية في ذلك الوقت حتى لا تتضاعف الأعراض.

في الأسبوع الأخير من مرضها، كان الدم ينهال بطريقة أصعب من ما قبل، ما عرضها للإصابة بالضغط النفسي والعصبي، خوفًا على حياتها من خطورة الأمر، لكن الدورة الشهرية لديها عادت مرة أخرى، واستمرت وقتًا طويلًا عن المعتاد: "الأعراض دي عمرها ما حصلتي في حياتي".

تأثير مناعى ما بعد اللقاح
وبالتواصل مع الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، شرح لـ«الدستور»: «هناك دراسة نُشرت في الدورية الإنجليزية الطبية حول علاقة لقاحات الفيروس بالدورة الشهرية، وتسببها في حدوث نزيف ما بعد اللقاح وانقطاع الطمث لفترات معينة، اعتمد العلماء الذين أجروها على تجميع حالات تلقت الفيروس بالفعل، وحالات أخرى لم تتناوله، ليرصدوا نسبة تأخر الدورة أو عدم انتظامها لديهن».

الدكتور إسلام عنان

واستكمل: «الإحصائيات كانت نسبتها قليلة للغاية، لكنهم استطاعوا الوصول إلى تحليل وتم ربطه باللقاح، من خلال المقارنة بين النساء الملتقيات للتطعيم وغير الملتقيات، ووجدوا في النهاية أن النسبة الأعلى لمن انقطع الطمث عنهن هن من تلقين اللقاح، وبدأوا بالفعل في دراسة الأمر جيدًا للخروج بتحليل منطقة خلال الفترة المقبلة».

«العلماء أطلقوا على هذه المشكلة  التأثير المناعي لما بعد اللقاح، ولم يحصروا الأمر على مادة اللقاح نفسها، فقد رصدوا ذلك في عدد كبير من التطعيمات الخاصة بالفيروس وليس نوعًا واحدًا فقط، فاللقاح يعمل على تشغيل الجهاز المناعي، ويؤثر فيه بشكل كبير؛ ما يتسبب في حدوث نزيف حاد غير متوقع أو تأخر في مواعيد الدورة الشهرية»، بحسب أستاذ علم انتشار الأوبئة.

ونوه «عنان» أن الأزمة ذاتها لم تقتصر على فيروس «كوفيد-19» فقط، بل أن النساء المصابات بفيروس ««HPV، يتعرضن لتغيرات في الدورة الشهرية لديهن بعد تلقي اللقاحات الخاصة بمرضهن، نتيجة تنشيط الجهاز المناعي، واختتم حديثه محذرًا من الانسياق وراء الإشاعات المتداولة حول تأثير اللقاح بالرحم أو الإخصاب أو القدرة الإنجابية، فهذا الحديث ليس له أي أساس من الصحة.

دراسة بـ  الدورية الإنجليزية الطبية

أسوأ شهرين في حياتي

في مارس الماضي، توجهت «هبة» إلى أحد مراكز التطعيم في محافظة الإسكندرية، لتلقي لقاح «كوفيد-19»، الذي بّدل حالها بين ليلة وضحاها، لتستيقظ في اليوم التالي من تلقيه على بقع دم منتشرة في أرجاء السرير، فالنزيف لم يكن حاد في اليوم الأول من مرضها، فقط شعرت بنوبات متفاوتة من الإرهاق وضيق التنفس.
 

اليوم الثالث كان بداية المعركة النفسية والجسدية التي عاشتها السيدة الأربعينية، لمدة شهرين، إثر ما تعرضت له من مضاعفات شديدة بعد تلقي التطعيم: وفي الفترة التي كانت تنتظر فيها قدوم الدورة الشهرية فوجئت بعد وجود أي إشارات لها كما اعتادت: «قبل البريود ما تحصل بأسبوع ببقى حاسة إنها جاية».


 

وصفت «هبة» شعورها في ذلك الحين: «شهرين من الآلام الجسدية والنفسية لن أنساهم طوال حياتي، لكن الشعور الأصعب كان بقدوم الدورة الشهرية، حين تعرضت لنزيف حاد مكون من قطع دم كبيرة، يشبه عمليات السقوط من الحمل، واستمرت حينها لمدة 10 أيام من النزيف المستمر».

لم يقف الأمر عند ذلك الحد، ففي الشهر الثاني وبالأخص في موعد قدوم الدورة الشهرية للمرة التالية، تعرضت صاحبة الـ43 عامًا، للأعراض ذاتها مرة أخرى، بل تضاعف الأمر كثيرًا، وحاولت البحث عن إجابة لما يحدث من توجيه أسئلتها للشيوخ والأطباء، لكن لا أحد كان يعرف السبب الحقيقي وراء ذلك.

امتنعت عن الجرعة الثانية

35 يومًا عاشتهم سارة (اسم مستعار)، في حالة فزع شديدة منذ انقطاع الطمث عنها، إثر تلقي التطعيم من الفيروس، وتعرضت فيهم لنوبات شديدة من النزيف الحاد، ممتنعة عن إبلاغ والدها وخطيبها بما يحدث خوفًا من شعورهم بالقلق عليها، واكتفت فقط بمشاركة شقيقتها الكبرى التي رافقتها لأحد الأطباء في منطقة البساتين بمحافظة القاهرة.
 

حاول الطبيب أن يطمئن الفتاة العشرينية، كونه يعلم أنها ليست متزوجة فالأمر لا علاقة له بالحمل نهائيًا، وسألها إذ كانت قد تلقت لقاح «كوفيد-19» منذ فترة وجيزة أم لا، ومن هنا أيقنت السبب الحقيقي وراء ذلك، حين أكد لها تردد العديد من الحالات المشابهة خلال الآونة الأخيرة.

الأعراض الجانبية التي أصيبت بها لم تكن هينة على الإطلاق، فالشعور بالغثيان والآلام الجسدية كانت لا تقارن باللحظة التي تنفجر فيها منطقة الحيض لديها لتملأ سريرها ببقع الدم الكبيرة صباح كل يوم: «راودني شعور الموت كثيرًا، وكنت أريد فقط معرفة سبب حدوث ذلك».

تعافت «سارة» من تغيرات الدورة الشهرية قبل أسبوعين من وقتنا الحالي، لتقرر الامتناع عن تلقي الجرعة الثانية من اللقاح، هربًا من تكرار الأمر مرة أخرى: «لن أعيش تلك المأساة مجددًا».

 

خوف من اللقاح
قبل أيام قليلة، أصيبت ريتاج، بنزيف حاد في اليوم الأول من تلقيها للتطعيم، ولم تقرر التوجه إلى أي طبيب يكشف لها عن سبب مرضها، رغم أن الدورة الشهرية كانت منتهية قبل تناولها لقاح «كوفيد-19» مباشرة، وظنت أن اللقاح قد يكون السبب في قدوم الدورة الشهرية مرة أخرى.

لكن في اليوم التالي أيقنت أن ما يحدث ليس له علاقة بأعراض الدورة الشهرية، فالنزيف كان حادًا للغاية، واستمر لمدة 4 أيام دون انقطاع: «لم أتعرض لهذه الكمية من الدم طوال حياتي، وأنتظر حاليًا التأكد من حقيقة تأخر موعد الدورة الشهرية القادمة».

عبرت الفتاة العشرينية عن ترددها من التوجه لتلقي الجرعة الثانية من لقاح «كوفيد-19»: «موعد التطعيم التالي يوم 14 أكتوبر، وأعيش في حالة تردد من تناوله مرة أخرى، خوفًا ما تضاعف الأعراض التي أصيبت بها».

الدراسات لم تثبت من ذلك

بعد الاستماع إلى حكايات النساء اللاتي تعرضن لتغيرات واضحة في دوراتهن الشهرية، اتجهنا للحديث مع استشاري النساء والتوليد بالقصر العيني ومقرر المجلس القومي للسكان السابق، الدكتور عمرو حسن، الذي أكد أن الدراسات العلمية التي أجريت حتى الآن حول لقاحات «كوفيد-19»، لم تثبت وجود رابط بين التطعيم والدورة الشهرية.
 

وأردف في حديثه لـ«الدستور»: «المشكلات التي تم رصدها بخصوص تغيرات الدورة الشهرية تكمن في عقاقير الكورتيزون التي تتناولهن المصابات بالفيروس، كونه يتسبب في تأخر الدورة لديهن لمدة قد تصل إلى ثلاث أشهر، وهذا النوع من الحالات واجهته بشكل مباشر، لكن التطعيم لم يٌثبت علاقته بتأخر أو تضاعف الدورة الشهرية، والدراسات العالمية لم توضح في تقاريرها أن هذه المشكلة من ضمن الأعراض الجانبية للقاح».

الدكتور عمرو حسن


وبسؤاله عن البلاغات التي تلقتها وكالة تنظيم الأدوية بخصوص الأزمة، قال: «نسبة التطعيم في الدول الخارجية مرتفعة للغاية، لذا يمكنهم إجراء دراسات حول الأمر بسبب قاعدة البيانات الكبيرة التي يمتلكوها، لكن في مصر يمكننا الحكم على ذلك حين ترتفع نسبة التطعيم وتتلقى أغلب النساء لقاح الفيروس».

أشار «حسن» أيضًا، إلى بعض التفسيرات التي يمكن من شأنها أن تتسبب في حدوث هذه التغيرات: «يمكننا القول أن اللقاح ليس له علاقة بحدوث اضطرابات الدورة الشهرية، لكن الاحتمالية الأخرى تكمن في الضغوطات النفسية والعصبية التي تتعرضن لها الفتيات، حين يخبرهن أحد ما أن اللقاح يتسبب في حدوث جلطات، ما يزيد من نسبة التوتر لديهن بحانب الرهبة الأساسية من تلقي اللقاح أو من الفيروس بشكل عام، وبالتالي تتأثر الدورة الشهرية وتتأخر عن موعدها».
 

عالجت 10 حالات في الـ3 أشهر الأخيرة

الدكتورة أميمة إدريس، أستاذ أمراض النساء والتوليد، كان لها رأي آخر حول تأثر النساء بلقاحات «كوفيد-19» وعلاقتها الخفية بالدورة الشهرية، موضحة ذلك: «تابعت بالفعل 10 حالات أصيبوا بتغيرات واضحة فور تلقيهن التطعيم خلال الثلاث أشهر الأخيرة، منهن من تأخرت الدورة عنها لمدة 70 يومًا، وأيضًا من تعرضت لنزيف حاد بعد تناول اللقاح مباشرة».

الدكتورة أميمة إدريس

واجهت الطبيبة هذه الأزمة بشكل مباشر، واستطاعت التعامل مع الحالات من خلال إرشادهم لتناول علاج هرموني يساعد في تنظيم الدورة الشهرية مرة أخرى، مشيرة إلى أن فعاليته تصل إلى 3 أشهر حتى تعود الدورة إلى طبيعتها مجددًا.

«أصعب حالة جاتلي كان عندها نزيف حاد طول الوقت»، أوضحت «إدريس» أن هذه التغيرات لا تحدث مع جميع النساء، وأيضًا أعراضها تختلف من شخص لآخر، فهناك من ينقطع الطمث عنهن لفترات تتراوح من شهر لشهرين ونصف، والآخريات يتعرضن لنزيف حاد بجانب تغيرات مواعيد الدورة الشهرية.