رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدث فى سبع سنوات

 

على العشاء بالأمس، التقيت برجل صناعة سورى تربطنى به صلة اجتماعية، آخر مرة زار القاهرة كان فى ٢٠١٢ جاء يدرس إمكانية نقل نشاطه للقاهرة، لكن ما رآه لم يكن مطمئنًا، حاسته قالت له إن الأمور ليست مستقرة، حاولت إقناعه بأن الأمور لن تستمر هكذا، لكنه لم يقتنع، مثل مئات من رجال الصناعة فى حلب نقل نشاطه لتركيا، كانت هناك تسهيلات كبيرة ضمن خطة لنقل صناعة النسيج السورية إلى تركيا، لم تكن مصر وقتها فى حال تسمح لها بالتفكير المنظم.. بعد تسع سنوات من مغادرته مصر جاء الرجل يسعى للاستثمار فى مصر.. سألته ماذا تغير؟ فقال إن كل شىء قد تغير.. كان منبهرًا بالطرق، وبما سماه «النهضة العمرانية»، رغم أنه بحكم الوقت لم يرَ إلا القليل، قال إن أحد ولديه يدرس فى تركيا ويدير العمل هناك، فى حين يصمم الأصغر على الانتقال لمصر، وتأسيس مصنع ملابس فيها، قلت له إن وجهة نظر الابن الأصغر هى الأصوب.. مصر سوق عملاقة، مدخل إلى إفريقيا، موقع متميز عالميًا، والأهم أنها تستعد لانطلاقة اقتصادية كبيرة.. الرجل لم يكن فى حاجة لأفصِّل له المميزات، رجال المال يملكون حاسة فطرية تقول لهم أين يمكن أن تزدهر الأعمال.. وحاسة الرجل قادته إلى مصر الآن، كما قادته إلى الهروب منها فى الماضى.. الفارق بين الماضى والحاضر هو سبع سنوات متصلة من العمل، والجدية، والتخطيط، والرؤية.. جعلت مصر بيئة جاذبة للاستثمار فى نظر هذا الشقيق السورى.. وستجعلها كذلك فى نظر العالم كله بعد قليل.. للأسف الشديد ما زالت سوريا الحبيبة تعانى من آثار ما دبر لها فى ٢٠١١.. الوضع الاقتصادى تأثر بسنوات الحرب الطويلة، والعمالة أصبحت نادرة، وكثير من الشباب هاجروا بحثًا عن أوضاع أفضل.. هذا الوضع يدفع رءوس أموال سورية كثيرة للبحث عن انتقال آمن.. لأسباب مختلفة هاجرت هذه الأموال إلى تركيا، وآن الأوان أن تجىء إلى مصر.. فسوريا ومصر علاقتهما تاريخية بما لا يتخيله أحد، لقد تحولت مصر دون مبالغة إلى نقطة استقرار فى المنطقة، وكما أن فى المنتجات التجارية علامة تجارية أو «براند» توحى للعميل بالثقة فى المنتج، فإن الأمر نفسه يحدث فى عالم الحكم، حيث توحى إنجازات الدولة المصرية، وقدرتها على التعامل مع تحديات الواقع، بالثقة وبالاستقرار، وهو أكثر ما يجتذب رءوس الأموال، وفى الوقت الذى تتباطأ فيه رءوس الأموال الغربية لأسباب مفهومة ومعروفة، يبدو من المهم جدًا توطين الصناعات السورية المتميزة فى مصر، واجتذاب رءوس الأموال غير التقليدية، مثل رأس المال العراقى، والليبى، والسورى بكل تأكيد، إننى من الذين لا يؤمنون بالتفكير بالتمنى، ولا بالمنهج العاطفى فى الكتابة السياسية، ومع ذلك أقول إن قادم الأيام سيشهد نوعًا من «الحل المصرى» للمشكلتين السورية واللبنانية، وإن مصر ستلعب دورًا كبيرًا فى إعادة إعمار سوريا، وفى إعادة تعويم بيروت، بعد أن تحل الأيام عقدة الصراع المحتدم بين الشرق والغرب، والذى يلقى بظلاله الحزينة على أوضاع البلدين الشقيقين، وحتى يحدث هذا فإن المطلوب هو خطة ذكية لاستيعاب هذه الخبرات والأموال الشقيقة، مطلوب مبادرات من اتحادات الصناعة والاستثمار فى مصر، مطلوب تسهيل شروط الدخول والإقامة لكل من يثبت أن لديه مبلغًا معينًا ينوى استثماره فى مصر.. ربما يكون تأسيس منطقة صناعية سورية فكرة سديدة أو لا يكون.. وربما يكون إلغاء تأشيرات الدخول فكرة سديدة أو لا يكون.. لكن فى كل الأحوال مطلوب تفكير إبداعى، وتغيير لشروط الدخول.. فمصر تغيرت، وأصبحت أكثر أمنًا واستقرارًا، وتطورًا.. وقد جاء أوان الحصاد.