رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهاية المؤسسات قبل الدولة.. لنتعلم حقيقة أمريكا

بعنوان صادم، خطير، كتب "نيكولاي ليزونوف" رؤيته الأمنية عما سماه "نهاية الهيمنة الأمريكية" بصحيفة "أوراسيا ديلي"، الروسية واسعة الانتشار، ورقيا ورقميا، وركز "ليزونوف" على ما يثار الآن حول العالم عن  دلائل نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في العالم.

علينا أن نعود إلى  رؤية   الكاتب  في National Interest "مارك كاتس"، الذي يقول إنه يرى علامات أفول الهيمنة الأمريكية على هذا الكوكب.
قبل هذا وذاك، هل الكوكب الأمريكي، مجرد رئيس وإدارة، أم أن هناك مؤسسات وبنى قانونية وإدارية وعسكري وأمنية لا يمكن تجاوزها، لا مرحليا ولا في السابق الماضي، ولا في المستقبل. 

منذ نشوء الولايات المتحدة الأمريكية، تلعب السلطات والمؤسسات الرئيسية دورا قانونيا ودستوريا في تشكيل تحريك وصنع القرار للسياسة الخارجية الأميركية. 

أولا: السلطة التنفيذية. 
 يعتبر البيت الأبيض هو المؤسسة الأم للجناح التنفيذي بالحكومة الأمريكية، ومعظم الأمريكيين يرون أن الرئيس هو الطرف الحاسم الذي يقوم بصياغة السياسة الخارجية، ويتخذ المبادرات في أوقات الأزمات الدولية. 

ثانيا: السلطة التشريعية. 
يعتبر الكونجرس الأمريكي المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية الممثلة للهيئة التشريعية في النظام السياسي، ويتألف الكونجرس الأمريكي من مجلسين، هما: مجلس الشيوخ، ومجلس النواب الأمريكيين.. وتعتبر سلطة الكونجرس في مجال السياسة الخارجية نسبيا إذا ما قورنت بسلطة الرئيس، حيث إن الكونجرس سلوكه موقفي، بمعنى أنه لا يقوم بالبدء أو المبادرة بإعداد وصنع قرارات السياسة الخارجية من خلال المبادأة، بل من خلال عملية تحليل ونقد مستمر مع الحركة والاستجابة لكل موقف بذاته دون أن يكون هناك تصور ذاتي للكونجرس عن فلسفة أو استراتيجية قومية شاملة تحكم حركته. 

عمليًا، وأمام السياسة الدولية، ووفق استراتيجيات محكمة، فإن الكونجرس الأمريكي يمارس مهام رقابية وضابطة لسلطة رئيس الدولة في مجال اتخاذ قرارات السياسة الخارجية.

ثالثا: وكالة المخابرات المركزية (Central Intelligence Agency CIA).. وكالة أمريكية "حكومية" لجمع المعلومات عن حكومات ودول العالم، عدا عن الأحداث الخارجية والأشخاص، ومن ثم تحليلها ومعالجتها وتقديمها إلى جهات مختلفة في الحكومة الأمريكية، وتصنف الوكالة على أنها فرع من رابطة الاستخبارات الأمريكية، ويرأس الرابطة رئيس المخابرات الوطنية للولايات المتحدة.. أما عن دورها في مجال السياسة الخارجية فهي تقوم بتوفير المعلومات للسلطة التنفيذية، وغالبا ما يتخذ الرئيس مواقفه من القضايا الدولية، أو الأممية أو الطوارئ، وفقا لتقارير حرفية تحتمل مراحل مقدمة من صنع القرار الرئاسي. 

.. ومنذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية، كان أغلب الرؤساء الأمريكيين فاعلية في الشئون الخارجية من ينجح في إقامة علاقات عمل جيدة مع الاستخبارات التي تتعدد وتتنوع أجهزتها بتنوع مجال عملها، ويصل عدد هذه الأجهزة إلى 41 جهارا، أبرزها وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي.

بالطبع، ما بين التشريع والتنفيذ، هناك عشرات المؤسسات القانونية والدستورية والصحية والعسكرية والتربوية والمجتمع المدني، فكيف ينهار هذا الهرم الواسع المركزية التراتبية؟.. وما بين الرغبات، والواقع على الأرض، فلا شىء يقدم لنا مجرد نظرة على نهاية أي من المؤسسات الامريكية، فكيف بنهاية دولة، قطب أوحد، عالمي التأثير وله كيان شمولي في تكريس القوة، الإنتاج، الولاء الاستراتيجي والاقتصادي وبالتالي العسكري.

تاريخيا، وحضاريا، يبدأ تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1783 بعد حرب الاستقلال، اتحاد أولى من 13 ولاية وقوة من السكان، لا تزيد على الأربعة ملايين، وكانت تلك النواة التي نمت بسرعة هائلة لتصبح أعظم قوة في العالم وأغناها في خلال 150 عاما، وما زالت تحتفظ بتفوقها وقوتها منذ أكثر من خمسين عاما، حسب ويكيبيديا، من مصادر إحصائية أوروبية.

انطلقت الولايات المتحدة من نواتها باتجاه المحيط الهادئ على حساب السكان الأصليين من الهنود الحمر، واشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803، واستولت على فلوريدا من إسبانيا عام 1819، وضمت تكساس من المكسيك عام 1848، واستطاعت خلال فترة زمنية قصيرة أن تتحول من دولة صغيرة متشرنقة على سواحل المحيط الأطلسي إلى دولة قارة تسيطر على المحيطين الأطلسي والهادئ، وبدأت اتحادا كونفيدراليا قبل أن تتحول إلى فيدرالي.

بالعودة، إلى هرج وخيال وجدل  كل من الروسي "نيكولاي ليزونوف"، والكاتب الأمريكي "مارك كاتس"، فإن النقاط التالية «حسب ما تم طرحه إعلاميا»، تدل على نهاية هيمنة  الولايات المتحدة، ما يعيدنا إلى دلالة السلطة الإعلامية ودورها المشاغب على الرئيس الأمريكي جو بايدن في سنته الأولى بالحكم، وإعادتها لقاءات الرئيس ترامب، الذي يطمح إلى طرح قوالب جاهزة للعداء ضد الدولة، ولن يستطيع، فالمؤسسات موجودة وتراقب:

- لم تستطع أمريكا أن تُبقي يدها فوق كل يد في العمليات العسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد في أفغانستان والعراق.

- ردت الولايات المتحدة بشكل ضعيف على روسيا، في أحداث العام 2008 في جورجيا و2014 في أوكرانيا.

- تنازلت واشنطن عن المبادرة، لموسكو وطهران وأنقرة، في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، في سوريا واليمن وكذلك في ليبيا بشمال إفريقيا.

- فشلت الولايات المتحدة في منع الصين من تعزيز قوتها، وتأكيد هيمنتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وتوسيع نفوذها من خلال مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية.

- حاول البيت الأبيض التقرب من خصومه دون جدوى، إذ حاول دونالد ترامب "ترويض" كوريا الديمقراطية وإيران، وفشلت واشنطن في ثني حلفائها عن التعاون مع خصومها.

وفي انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والانسحاب المخطط له من العراق في نهاية العام 2021، علامات على أن العالم أحادي القطب بقيادة أمريكا يقترب من نهايته.

لا يوجد إجماع بين الخبراء حول الشكل الذي سيكون عليه النظام العالمي في المستقبل:
- إن الصين يمكن أن تصبح القوة المهيمنة التالية، وإن العالم سوف يصبح ثنائي القطب مرة أخرى، بمركزين في بكين وواشنطن.

ولكن، في هذه الحالة، قد تكون هناك قوة ثالثة قادرة على تحقيق التوازن بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة، هي بالطبع روسيا.

- عودة مؤيدى الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، إلى شوارع العاصمة واشنطن مطالبين بالعدالة للمتهمين في أحداث الكابيتول التي جرت العام الماضي حين خرج أنصار ترامب اعتراضا منهم على وصول مرشح الديمقراطيين جو بايدن للبيت الأبيض، بعد انتخابات ربما كانت الأكثر صخبا في تاريخ البلاد..

سياسيا، جو بايدن، يمتلك رؤية مدهشة، سياسات تستند إلى تقارير أمنية عن موقف الشارع منها.

- لن يؤثر  ترامب، الطامح للعودة إلى المشهد السياسي، على حراك الشارع، وفي ظل كلامه حول تدهور بلاده منذ ثمانية أشهر وزوالها بعد 3 سنوات من الآن، فإن الإدارة الأمريكية لا تعنيها أقواله، فلا أثر أو قيمة سياسية لها. 

.. مبادئ، علينا أن نقرأ قوة المؤسسات ونفكر بأي عمل أحمق ضد أمريكا، وهذا مسار تقدمت به عشرات الكتب والدراسات وحتى الأبحاث الجامعية والاستخباراتية، فما يظهر يعزز من مؤسسة (أي مؤسسة) الولايات المتحدة الأمريكية، بعيدا عن منحنى صراعاتها حول العالم. 
[email protected]
*حسين دعسة، مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية