رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة شريف تكتب: عام على اتفاقات إبراهيم

فى نظرة أبعد إلى الوراء، بعد أن تكون الدهشة الأولى قد مرت، بعد أن يسمح الزمن باستيعاب الموقف وإدخاله إلى صورة أوسع، تكون هناك إمكانية لفهم ما حدث على نحو أفضل.

توضح المسافة أن الحدث مهما بدا مفاجئًا فى حينه، واستثنائيًا عند حدوثه، إلا أن الحياة ستعود إلى مجراها على الرغم من كل شىء، اتفاقات إبراهيم كانت حدثًا ضمن هذه الأحداث، والآن بعد مرور عام على توقيعها بإمكاننا أن نطلق حتى ولو أحكامًا مبدئية عليها.

الاتفاقات تعتبر إنجازًا سياسيًا لإسرائيل، ولكن من المشكوك فيه أن تكون حققت كل الأهداف التى كانت مرسومة لها قبل عام، والمشكلة ليست فى الاتفاقات، المشكلة فى السياق الذى تتحرك فيه تلك الاتفاقات.

السياق تغير بتغيير المحركين الرئيسيين للاتفاقات، عندما ذهبنا للتوقيع كنا مع نتنياهو وترامب، واستيقظنا اليوم على بينيت وبايدن، وبين هذين فروق كبيرة.

فترامب كان مستعدًا أن يمنح «هدايا» للدول التى توقع على الاتفاقات، كان يلعب بالصفقات، هو فى لحظة أراد أن يكون رجلًا يصنع السلام، أو بمعنى أدق يحقق الصفقات التى لم يكن يتوقع أحد أنها ستتحقق.

بموازاة ترامب كان هناك نتنياهو الرجل الذى يعرفه العرب، وبعضهم يرونه أقل يمينية من شركاء آخرين فى حكومته، منهم بينيت نفسه، بالنسبة لهم نتنياهو رجل يمكن الوصول معه إلى اتفاق، وهو رغم كل شىء غير متهور فى بناء المستوطنات، أكثر من مرة أوقف حروبًا على غزة، لم يتخذ مواقف قوية حيال الفلسطينيين، حتى الضم كان هو من أوقفه.

الثنائى ترامب ونتنياهو شكلا جاذبية خاصة، لعدد من الدول التى أرادت هدايا ترامب، ولم تر مشكلة فى الجلوس مع نتنياهو، هذا تغير الآن.

بايدن أغلق «دفتر الشيكات المفتوح» للدول التى ستطبع علاقاتها مع إسرائيل، هو يؤمن بأهمية استمرار اتفاقات التطبيع- ويدعمها- لكن بدون حوافز وهدايا، وهذا لو تعلمون أمر عظيم.

ونشر أيضًا أن الإدارة الأمريكية الحالية قد قامت بتجميد نشاطات «صندوق إبراهيم»، الذى أنشئ بهدف تعزيز التعاون الاقتصادى بين إسرائيل والدول العربية، المشاركة فى الاتفاقات.

بينيت أيضًا ليس هو الرجل المُفضل لعدد من قادة العرب، تاريخه اليمينى وتصريحاته الحادة مُقلقة، حتى لو كانت هناك تحركات أمريكية على الأرض بتحجيمه مثل معارضة بناء المستوطنات والضم، والحديث عن افتتاح قنصلية أمريكية فى القدس الشرقية، إلا أنه لا يزال يثير العديد من الشكوك.

سياق الاتفاقات تغير، لكن الأهداف لم تتغير، فالتهديد الإقليمى المشترك لإيران كان ولا يزال هو المحرك الرئيسى للتوقيع على اتفاقات إبراهيم، حتى الآن الهدف الرئيسى بقى على حاله، وهو خلق محور للتعاون فى الشرق الأوسط من أجل كبح نفوذ إيران فى المنطقة.

إيران لا تزال هنا، بل على العكس الرغبة الآن فى مواجهتها أكبر، ومع حقيقة العودة لاتفاق نووى جديد، قد يكون مُضرًا، أو قد يكون متأخرًا إلى حد أن إيران تكون قد أكملت بالفعل ترسانتها النووية.

من ناحية أخرى، فإنه قبل أربعة أشهر وقعت المواجهة بين حماس وإسرائيل، التى كانت بمثابة اختبار قوى للدول الموقعة على الاتفاقات، ومنذ ذلك الحين ازداد التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، وضع كهذا من شأنه أن يجعل دولًا أخرى تفضل الانتظار حتى ترى الهدوء، فليس سهلًا أن يتم توقيع اتفاقات جديدة فى ظل وضع متوتر مثل هذا.

كما أن الميليشيات التابعة لإيران، التى تحاول المس بمسارات الملاحة والموانئ والمنشآت الاستراتيجية للدول التى وقعت على الاتفاقات، قد تؤثر على قرارات دول أخرى بالانضمام إلى الاتفاقات.

يمكن الآن اعتبار «اتفاقات إبراهيم» بالون اختبار بالنسبة لدول عربية وإسلامية، اختارت الجلوس فى هذه المرحلة على الجدار، وتأجيل قرار انضمامها، لتقرر هل يمكنها الانضمام بدون شيك مفتوح مع بايدن، وبدون نتنياهو، أم لا؟