رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يرون أن أعمال محفوظ مش فى «التريند»!

لم أسترح لعنوان المقال المنشور فى جريدة تابعة لوزارة الثقافة المصرية، وتصدر عن واحدة من مؤسساتها، وكان العنوان «نجيب محفوظ فى المزاد». بدا لى العنوان وقد شابته مسحة من الاستفزاز، وربما كان الغرض من العنوان نوعًا من التحفيز للقارئ، لكنه بالنسبة لى كان مشوبًا بقدر ليس من افتقاد اللياقة، ولكن فجاجة الطرح والجهل بالقيمة. 

وضعت المقال أمامى وعاودت قراءته أكثر من مرة للوقوف على ما أراده صاحب المقال، خاصة أن الأمر يتعلق باسم كاتبنا العظيم نجيب محفوظ الذى ورد مقترنًا بكلمة «المزاد». 

يتحدث صاحب المقال عن حوار دار بينه وبين واحد من الناشرين، سأله بلا مقدمات عن خلفيات «المزاد المفتوح» الآن لبيع حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ التى ينتهى عقدها ٢٠٢٢ بعد عشرين عامًا مع ناشرها الحالى. 

يحكى صاحب المقال عن كيفية توقيع محفوظ هذا العقد قبل عشرين عامًا، وانتقاله من مكتبة مصر إلى ناشر جديد بعقد قيمته مليون جنيه «كان سعر الدولار وقتها حوالى أربعة جنيهات»، المهم أن صاحب المقال أشار إلى حماس من سماهم بـ«الوسطاء» حينها لأن تصدر أعمال محفوظ من مصر، خاصة أن مجمع أبوظبى الثقافى وقتها كان يسعى لنشر أعمال محفوظ. 

كل ذلك ليس مربط الفرس، لكن الآتى هو ما استوقفنى واستشعرت فيه «غلالة» لم أرتح لها لما تحمله فى طياتها، والله أعلم بهذه الطيات. 

تعجب صاحب المقال، بلفظ صريح، من أن الأستاذة هدى نجيب محفوظ قد باعت حقوق النشر الإلكترونى لدار نشر مقابل رقم مالى هو ٦ ملايين جنيه، ولا أعرف ما وجه التعجب فى الموضوع؟، وفيمَ المؤاخذة الضمنية؟ وما الموقع الذى من خلاله يؤاخذ صاحب المقال ابنة نجيب محفوظ؟ 

لكن خذ عندك ما هو آتٍ من «لهجة» لا تكتف بالإضمار وتعوزها الكياسة، لكنه يقول إن حقوق النشر الورقى لا تزال معروضة لمن يدفع أكثر «وما الغريب!؟»، ثم يقول: «الغريب أن دور النشر الكبرى (خد بالك من الكبرى)- ثم يسميها- (الشروق ونهضة مصر والكرمة)، (ما لها بقى؟) لم تقدم عروضها، وهذا- حسب تعبيره- يؤكد ما يشاع من أن المتنافسين هم دور النشر الصغيرة!!». 

كل ما سبق يورده صاحب المقال على لسان صديقه الناشر، ويسرده بأريحية ويمكن براحة، ولا يعلق عليه، والرسالة باختصار أن نجيب محفوظ شغله «باير» على رأى أهالينا الفلاحين، وأنه لم يعد جاذبًا لدور النشر المصرية الكبرى، وأن المقبلين عليه هى دور النشر الصغيرة!

الحقيقة أن المقال «ملقح» بنوايا الله أعلم بها، ربما يمكن استقراؤها، خصوصًا عندما نأتى إلى نهاية المقال المنشور فى جريدة تمولها الحكومة المصرية، التى تزهو أجهزتها ويزهو إعلامها باسم واحد من كبار الكُتّاب، ليس فى مصر بل من أكبر كتّاب الإنسانية، وتنشر أن شغله «بائر»، متبنية فكرة «التريند» زيها زى ما نقول إن أم كلثوم بائرة وإن اللى بيوزع هو حمو وكسبرة والتراماى، ولتسقط فكرة «القيمة» لدى الجريدة الحكومية.. هل يمكن أن تخرج جريدة أيرلندية وتصف شغل جيمس جويس وتيار الوعى بأنه حاله واقف؟ أو تأتى نشرة فرنسية لتصف مارسيل بروست وزمنه الضائع بأنه لا سوق له؟ 

والله عيب، والعيب الأكبر سوف يأتى فى ختام المقال المنشور بالصحيفة الحكومية، حين يقول ما يعتقده صراحة فى صيغة تساؤل «برىء».. وقبل السؤال أو حتى يضع السؤال فى سياق، يحكى من جعبة ذكرياته عن مناقشة حضرها مع ابنة نجيب محفوظ فى عشاء ضمهما قبل خمس سنوات بمناسبة شراء دار إلكترونية حقوق مقالات نجيب محفوظ، ويفصل فى نقاش حول دور الجامعة الأمريكية فى الترويج لمحفوظ ووجهة نظر ابنته- وكل ما قالته هو حقها- المهم أن كاتب المقال يعود لصديقه الناشر الذى هاتفه «عساه يجد عنده ما يشفى غليله»، ونحن كقراء لا نعرف لا طبيعة هذا «الغليل» ولا سببه، لكن صاحب المقال يعتلى المنبر ويقول إن حسابات الناشرين الذين سيغامرون بدفع الملايين تجعلهم يبتعدون عن هذا المزاد، وفى تقديرى أن المسألة ربما تكون من نصيب «يسمى دارًا شبه ناشئة»، ثم يأتى الكريشندو فيما صاحب المقال يقول نصًا: «سؤال مهم هل ستنجح (يسمى الدار الناشئة) فى توسيع دائرة اهتمام القارئ العربى بكتب محفوظ حتى لا تظل عشرة منها فقط هى العشرة الطيبة، «أقصد الرائجة والباقى بالزق»! 

هذا هو نص ما كتبه ودون مواربة، والله لا أملك حتى الرغبة فى تصحيح «مدرسى» لفكرة القيمة ولا معنى أن تكون ناشرًا لواحد من أكبر كتّاب الإنسانية، ولا أعتقد أنه من المجدى أن تفكك البديهيات وتقول مثلًا إن ناشر موليير وشكسبير وبلزاك يكتفى بهم شرفًا، لكن المؤسف حقيقة أن يمارس نشر «الغل» (حسب وصف صاحب المقال) الجاهل بفكرة «القيمة» ومعناها، وما يمثله محفوظ على صفحات جريدة حكومية، لدولة تضع محفوظ فى درات التاج.. هما شايفين إن أعمال محفوظ ماشية «بالزق»!! وإن مش فى تريند النشر، من أين نبدأ مع هؤلاء، سواء الناشر صاحب المقال- ولا أقول الكاتب- اللى عاوز يشفى غليله أو صاحب المقال اللى شايف محفوظ ماشى بالزق؟!

وكأنما المراد هو الرضوخ، رضوخ من تملك الحقوق لما تراه غير عادل ولا يليق بأعمال أبيها، والكلام عن استبقاء أعمال محفوظ للنشر المصرى، أرد عليه بجملة واحدة: نجيب محفوظ هو مصر وليس الناشرين.