رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توابع كنس الإخوان

خمسة أيام مرّت على هزيمة «إخوان المغرب» الثقيلة فى الانتخابات البرلمانية، التى أنهت عشر سنوات من سيطرتهم على الحكم، وفى اليوم السادس، أى أمس الأول الثلاثاء، أعلنت السلطات المغربية عن تفكيك خلية إرهابية، موالية لتنظيم «داعش»، فى مدينة الرشيدية، جنوب شرقى البلاد، كانت تخطط لارتكاب عمليات تخريبية. 

المملكة الشقيقة ليست بعيدة عن مسارات الغزو الداعشى للقارة السمراء، التى تكاد تتطابق مع تلك التى سلكها الغزو الاستعمارى القديم. وخلال فترة حكمهم، الممتدة من نوفمبر ٢٠١١ إلى الأسبوع الماضى، لم يفشل إخوان المغرب، سياسيًا واقتصاديًا، فقط، بل قاموا أيضًا بتشجيع الشباب، والفئات الهشة فكريًا، على الالتحاق بذلك التنظيم الإرهابى، وبلغ عدد المغاربة، الذين التحقوا به، فى بؤر النزاع السورية والعراقية، ١٦٥٩ شخصًا، حسب إحصاءات المكتب المركزى للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطنى.

البيان الصادر، أمس الأول، عن المكتب نفسه، قال إن أعضاء الخلية، التى تم تفكيكها، كانوا يتشاركون محتويات رقمية توثق للعمليات التى قام بها «داعش» فى عدة مناطق من العالم. وأوضح البيان أن السلطات عثرت خلال عمليات تفتيش منازلهم على ملابس شبه عسكرية ومعدات معلوماتية ومخطوطات مكتوبة بخط اليد وأخرى مطبوعة، تحرض على الإرهاب.

قائد الخلية، أميرها المزعوم، المشتبه فيه الرئيسى، حسب البيان، قام بتجنيد واستقطاب «أتباع التيارات الدينية التقليدية». وما زالت التحقيقات مستمرة للكشف عن ارتباطات تلك الخلية، المحلية والدولية، وتحديد مخططاتها ومشاريعها التخريبية، فى سياق تضافر وتعزيز الجهود، التى تبذلها المؤسسات الأمنية، لمنع بلوغها مرحلة التنفيذ. وأشار المكتب المركزى للأبحاث القضائية فى بيانه إلى أن تفكيك هذه الخلية الإرهابية «يؤكد، مرة أخرى، استمرار مخاطر التهديد الإرهابى من خلال عزم بعض التنظيمات المتطرفة على ارتكاب جرائم من شأنها المساس الخطير بالنظام العام، كما أنه يؤشر أيضًا على جاهزية المصالح الأمنية المغربية للتصدى لهذه المخاطر والتهديدات، بما يضمن توطيد أمن الوطن وصون سلامة المواطنات والمواطنين».

ليست مصادفة، طبعًا، أن تشهد تونس سيناريو شبيهًا، بعد القرارات الاستثنائية، أو التصحيحية، التى اتخذها الرئيس قيس سعيد، فى ٢٥ يوليو الماضى، واسترد بها بلاده من قبضة الإخوان. إذ قامت أجهزة الأمن التونسية بتفكيك أربع خلايا إرهابية، فى محافظات سوسة والمنستير والمهدية، وعلى الحدود التونسية الليبية، كانت نائمة ونشطت، كما أحبط الجيش التونسى محاولات تسلل بعض العناصر الإرهابية عبر البوابة الشرقية. كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على إرهابى، كان يقوم بالتحضير لعملية اغتيال تستهدف الرئيس بإحدى المدن الساحلية. ولعلك تتذكر أننا توقعنا، فى مقال سابق، أن ينشط الجهاز السرى المسلح، التابع لـ«حركة النهضة»، مدعومًا من الدول الداعمة للإرهاب والميليشيات الإخوانية الليبية. 

الإشارة هنا مهمة إلى أن راشد الغنوشى، زعيم «حركة النهضة» الإخوانية، هدّد، ضمنيًا ثم بشكل صريح، بعودة العنف والإرهاب إلى تونس إذا لم يتراجع الرئيس التونسى قيس سعيد عن قراراته. ما يذكّرنا بتهديدات، أو بمساومات، قادة الجماعة الإرهابية، بعد ثورة ٣٠ يونيو، التى كان أبرزها تهديد القيادى الإخوانى محمد البلتاجى، والتى تمت ترجمتها إلى موجة من العنف، لم يبالغ أيمن عقيل، رئيس «مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان»، حين وصفها بأنها كانت الأكثر دموية فى تاريخ مصر. إذ أوضحت دراسة أصدرتها المؤسسة أن مصر شهدت، بعد إسقاط حكم الإخوان، ١٢١٦ حادثًا إرهابيًا، راح ضحيتها ٢٩٦٥ شخصًا، ولم تَنْجُ محافظة مصرية واحدة من مرمى نيران الإرهابيين وعملياتهم التخريبية. 

الثمن كان كبيرًا، لكنّ عزاءنا هو أننا كتبنا به، وبثورة ٣٠ يونيو، شهادة وفاة الإخوان. وكما يُسجّل التاريخ للعاهل المغربى، الملك محمد السادس، أنه كان من أوائل الزعماء، الذين أعلنوا تأييدهم لثورتنا المجيدة، فإنه يسجل للأشقاء فى سوريا، أيضًا، أنهم قرأوا المشهد، يومها، بصورته الصحيحة: أعلن عمران الزعبى، وزير الإعلام السورى، عن «سقوط جماعة الإخوان إلى غير رجعة». وفى حوار مع جريدة «الثورة» السورية، قال الرئيس بشار الأسد إن ما يحدث فى مصر «سقوط لما يُسمّى الإسلام السياسى»، موضحًا أن «من يأتى بالدين ليستخدمه لصالح السياسة أو لصالح فئة دون أخرى سيسقط فى أى مكان فى العالم».

تأسيسًا على ذلك، نكرّر أن ما فعله الأشقاء فى تونس والمغرب، قد يقود إلى نتائج كارثية، لو لم يتم اجتثاث جماعة الإخوان، فى البلدين من جذورها. والشىء نفسه ينسحب على السودان، الذى أطاح بتلك الجماعة الضالة فى ١١ أبريل ٢٠١٨، بعد ٣٠ سنة من الخراب والتخريب، ولا يزال يشهد تحركات إخوانية شيطانية، لتأزيم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية، أملًا فى العودة إلى الحكم، التى نراها مستحيلة.