رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إخوان تونس.. الغاية تبرر الوسيلة

لم تعد حركة النهضة التونسية، برئاسة راشد الغنوشي، قادرة على العمل داخل دولة القانون والمؤسسات، دون الحصول على مكاسب وغنائم تستفيد منها، فهي ترى (في الحكم غنيمة.. وأن السياسة لا تخضع لمبادئ وأخلاق)؛ لأنها جماعة تسعى وراء مصالحها فقط، خصوصًا أنها كونت تحالفًا حزبيًا داخل الحكم، وبالتوازي صنعت تحالفًا برلمانيًا مع معارضيه!.. فـ (النهضة حركة انتهازية.. انقلبت على جميع تعهداتها التي قطعتها لناخبيها، وفي مقدمتها شعار، مقاومة الفساد، وعدم التحالف مع قلب تونس، مهما كانت الظروف.. وهذا ليس جديدًا عليها؛ فهي من ساندت رئيس الجمهورية، قيس بن سعيد، في مواجهة منافسه نبيل القروي، خلال الحملة الانتخابية، ثم انقلبت عليه لاحقًا، وتحالفت مع القروي، لتكوين وفاقًا معارضًا له، ولتشويهه عبر السوشيال ميديا)!
فساد النهضة له امتدادات في الماضي، يُعد من أغرب ما قد نقرؤه.. إذ في الوقت الذي بدا فيه الغنوشي معارضًا للنظم التسلطية في بلاده، خلال حكم زين العابدين بن علي، يكشف لنا المعارض السياسي، مراد النوري، علاقة الغنوشي بزين العابدين.. (إن الغنوشي تآمر على تونس مع الرئيس السابق ابن علي.. والعلاقة بين ابن علي والغنوشي ليست كما هو مُتداول، من أنه زعيم الحركة المعارض، بل بالعكس، فقد كانا صديقين، والدليل على ذلك أن الغنوشي لم يكن مسجونًا في عهده، بل كان مُعززًا مُكرمًا، وكان ابن علي هو الوحيد الذي يتصل به ويأتيه بكل ما يطلب.. ولما أطاح ابن علي بالرئيس بورقيبة، استدعى الغنوشي للقصر، وأعطاه جواز سفره لمغادرة تونس دون مشاكل، بعد أن باع رفاقه من المجموعة الأمنية الثانية، الذين كانوا خططوا للانقلاب على بورقيبة).. وهنا نذكر أن الغنوشي واجه حكم الإعدام في عهد بورقيبة، وتم إطلاق سراحه بأمر من زين العابدين بن علي.. وقد شكر الغنوشي ابن علي في كلمته الشهيرة أثناء حواره الصحفي مع جريدة (الصباح)، الذي قال فيها: (ربي من فوق وابن علي من لوطى)، أي من تحت، أو على الأرض!
ملفات فساد النهضة، وزعيمها الغنوشي، متعددة.. ليس آخرها، اتهام وزير الدولة السابق في حكومة إلياس الفخفاخ- المسئول عن الحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو- حركة النهضة بالفساد والانحراف وتدمير البلاد، سياسيًا واقتصاديًا، طيلة السنوات التي تلت سقوط حكم الرئيس ابن علي.. (إن ضمير حركة النهضة مات.. بعد أن تحول قادتها، من مناضلين في فترة حكم ابن علي، إلى منحرفين طيلة السنوات التسع الأخيرة).. فحركة النهضة، من أكثر الأحزاب في تونس، المتورطة في الفساد.. سعت للإطاحة بحكومة الفخفاخ، لأنها كانت تشكل خطرًا عليها، بسبب ملفات الفساد التي تلاحقها، وبسبب رفض رئيس الوزراء المستقيل- الفخفاخ- القيام بتعيينات لأتباعها في مفاصل الدولة.
كان من المفروض اعتقال المئات من حركة النهضة، بتهم الفساد والسرقة والتحايل، وتدمير حياة التونسيين، وإفساد المناخ الاقتصادي والحياة السياسية.. فغاية هذه الحركة الوحيدة، هي البقاء في الحكم، والانغماس في الفساد.. فقد أحال الوزير محمد عبو، إلى النيابة العامة، ملفًا يتعلق بامتلاك حركة النهضة لأربع محطات تليفزيونية، بالمخالفة للقانون.. كما أنها واجهت تهمًا، بينها غسيل الأموال.. لكن شيئًا لم يتحرك.
ذات الاتهام.. وجهه منجي الرحوي، النائب عن حزب الوطنيين الموحد، لحركة النهضة وحليفيها، بتبييض الفساد، من خلال استغلال ترؤس قلب تونس للجنة المالية بالبرلمان، «لتمرير مشروع قانون يتعلق بالتنشيط الاقتصادي، للعفو عن المتهرّبين من أداء واجبهم الضريبي، وللمصالحة مع من هرّبوا أموالًا طائلة إلى الخارج».. هذا القانون- الإنعاش الاقتصادي- قانون خطير، لأنه يتضمن مواد تخدم لوبيات بعينها ومنتفعين من التهريب.. (أي أنه قانون إنعاش للمتنفذين، أصدقاء حركة النهضة وقلب تونس، الذين يعملون على تبييض الفساد).. فهو يتضمن فصلًا للمصالحة، يتضمن في جزئه الثاني، عفوًا عن هؤلاء المهربين، عبر عفو جنائي وضريبة تحررية، بموجب سدادهم لـ10% فقط، من الضرائب المستحقة عليهم قانونًا.. إلى جانب ذلك، فإن قانون (المصالحة الإدارية)، ينص على العفو عن الموظفين العموميين بشأن أفعالهم المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، إذا لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية!
«بارونات الخارج»، ممن يتحكمون في تحديد أسعار العُملات، هم من كانوا يضغطون على البرلمان، برئاسة الغنوشي، لتمرير قانون المصالحة المالية، بعد تحويل مكاسبهم وممتلكاتهم إلى الخارج، في خرق واضح للقانون.. أما لماذا تأتّى هذا الضغط؟.. فلأن القانون الجديد يعفو، بشكل نهائي، عن نحو أربعمائة من رجال الأعمال المتهمين في قضايا فساد.. وهو ما أثار احتجاجات كبيرة، منذ إرساله للبرلمان عام 2015، من ممثلي المنظمات الشبابية، وأحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني، التي رفضته، واعتبرته تبييضًا للفساد.. قبل أن تتم المصادقة عليه، بأغلبية مئة وسبعة عشر نائبًا.
ولم يتوقف فساد النهضة عند مشاهده المالية، بل تجاوز ذلك إلى الأخطر.. فساد تحالفات السياسة، الذي يتستر على جرائم الإرهاب.. مثال هذه التحالفات، ترجمها التقارب الغريب، بين حركة النهضة، وحزب قلب تونس الليبرالي، الذي واجه رئيسه، قطب الإعلام، نبيل القروي، تهمًا بالفساد وتبييض الأموال، في محاولة للسيطرة على الحكم، والتغطية على هذه الملفات.. هذا التحالف، الذي جمع أضداد السياسة، وقرب وجهات نظر خصومها، وصفه متابعون بـ«التحالف الهجين»، الذي تحركه هواجس مشتركة، من فتح ملفات الطرفين، التي قد تُنهي مسيرتهما السياسية.. إذ يبحث الغنوشي عن شريك يُحمله مسئولية فشل حركته، مثل ما اعتاد منذ عام 2011، ويغطي به ملفات الإرهاب والاغتيالات الملتصقة بها.. بينما يسعى القروي إلى التواجد ضمن الفريق الحكومي، ليضمن من خلاله حصانة سياسية، ضد إمكانيات الملاحقة القانونية من جديد، بحثًا عن الحماية القضائية، والاستفادة من نفوذ راشد الغنوشي داخل بعض الدوائر القضائية.
اختارت النهضة «تحالف الضرورة»، أو «تحالف المصالح»، القائم على أهداف محددة قد ينتهي بانتهائها، وناورت في تشكيل الحكومة بحزب قلب تونس.. لأن قلب تونس لم يجد أمامه غير حركة النهضة للتحالف معها، بعد أن رفضت باقي الأحزاب التعامل معها، على خلفية ما عُرف عن حركة النهضة من برجماتية.. وهو ما حتم عليها التحالف مع قلب تونس، رغم التباعد الأيديولوجي والسياسي بينهما، ورغم تأكيدهما سابقًا على أنهما لن يتحالفا.. تحالفًا لا يستند إلى برامج أو تصورات سياسية، بقدر ما هو التقاء ظرفي، فرضته مجموعة من التطورات السياسية.. فقد اعتادت حركة النهضة أن تبحث لها دائمًا عن حليف تحتمي به، للتغطية على القضايا والشبهات التي باتت شبحًا يلاحقها، خصوصًا المتعلقة منها بملفات الإرهاب والاغتيال والجهاز السري.. ونبيل القروي يعي جيدًا أن «لا أحد تحالف مع النهضة وخرج سالمًا، لكن طموحه بالوصول عبرها إلى السلطة، للاستفادة من دوائر الحكم.. كان أكبر من خوفه».
مع بداية الدورة البرلمانية، التي انطلقت في نوفمبر 2019، فوجئ التونسيون بتقارب حزبي النهضة وقلب تونس، رغم «الحروب» السابقة بينهما.. لإيصال راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان؛ حيث اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الاستغراب، ممزوجة بسخرية من الموقف الجديد للحزبين.. وبرر الغنوشي، تغير موقفه بالقول؛ إن «الأغبياء هم الذين لا يتغيرون»، وإن حركة النهضة «تعاملت مع كل الأحزاب، إلا من أبى»، كما أنه «لا يمكن أن نقاطع أي حزب اختاره الشعب، بما في ذلك قلب تونس».. الغاية تبرر الوسيلة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.