رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحالف الإرهاب والجريمة المنظمة

الإرهاب، عمليًا أو واقعيًا، هو أحد أشكال السلوك الإجرامى «المُنّظم». غير أن البعد السياسى يجعله مختلفًا، نظريًا أو شكليًا، عن الجريمة المنظمة، التى يكون هدفها الأساسى هو التربح، أو «الحصول على منفعة مالية أو منافع مادية أخرى»، بحسب تعريف اتفاقية الجريمة المنظمة. وبغض النظر عن ذلك الاختلاف، النظرى أو الشكلى، فقد نشأ تحالف انتهازى بين الطرفين، اللذين يتشاركان فى عداء الدولة الوطنية، ويسعيان إلى زعزعة استقرارها وإضعاف مؤسساتها، وبقليل من التركيز ستجد أن وسائل الطرفين تكاد تتطابق، مهما اختلفت الغايات.

التحالفات أو الصلات بين الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، هى أبرز الملفات ذات الأولوية فى خطة ٢٠٢١/ ٢٠٢٢ لمجموعة عمل بناء القدرات لمنطقة شرق إفريقيا، المنبثقة عن المنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب، التى تترأسها مصر منذ سنة ٢٠١٧، والتى عقدت أمس الأول، الإثنين، اجتماعها العام الرابع، بمشاركة الاتحاد الأوروبى وممثلى دول شرق إفريقيا والدول الأعضاء بالمنتدى، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الإقليمية والدولية العاملة بالمنطقة. الاجتماع ركز بصفة أساسية على هذا الملف، وقام ممثلو عدد من الدول بمشاركة تجارب بلادهم فى هذا الشأن، وطرحوا التحديات الخاصة بالتعامل مع تداعيات التعاون القائم بين الطرفين. وفى كلمته، أوضح الوزير المفوض محمد فؤاد، مدير وحدة مكافحة الإرهاب الدولى بوزارة الخارجية، أن الصلات بين التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود تنامت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، محذرًا من أن ذلك لا يهدّد فقط منطقة شرق إفريقيا، بل الأمن والسلم والدوليين إجمالًا. كما تناول التحديات المرتبطة بالتعامل مع هذه المشكلة، والصعوبات المتعلقة بجمع البيانات والأدلة للتحقق من توافر تلك الصلات، وطالب بضرورة تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية فى الدول الأعضاء على المستويين الوطنى والإقليمى.

بالفعل، تنامت الصلات وتطورت العلاقات بين التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، بسبب الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، وضعف المؤسسات الدولية، وتضارب مصالح الدول، التى يستغل بعضها هذه الجماعات لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. كما أدى تشابك المصالح وتوسع دائرة المستفيدين، إلى بدء مرحلة جديدة، تطورت، مع الوقت، وأظهرت تنظيمات هجينة تعمل فى المجالين معًا، كجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية، وحزب الله اللبنانى، و... و... وهناك تنظيمات وكيانات هجينة أخرى عديدة، فى مختلف دول العالم.

منذ تسعينيات القرن الماضى، ظهرت دراسات وتقارير دورية عديدة تناولت العلاقات القائمة، أو المتداخلة، بين الجماعات الإرهابية وعصابات المافيا الأوروبية. ومن بين المنظمات الثلاث والأربعين، المدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية، وجدت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أنّ تسع عشرة منها ترتبط بتجارة المخدرات. وخلال محاكمة جيسون براون، زعيم عصابة AHK، فى نوفمبر ٢٠١٩، أمام المحكمة الفيدرالية فى شيكاغو، تضمنت أدلة الاتهام مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية، تثبت تورطه فى تجارة المخدرات، وتحريضه أفراد عصابته على مبايعة تنظيم «داعش»، وقيامه بتوفير الدعم المادى للتنظيم الإرهابى فى سوريا. 

حالة براون، المعروف أيضًا باسم «عبدالجامع»، تختلف قليلًا عن حالة إبراهيم سن، المسجون حاليًا فى باكستان، والذى كان مكلفًا من المخابرات التركية بالإشراف على مجموعات إرهابية مسلحة فى سوريا، واستخدمها مع العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية، فى تهريب وتجارة المخدرات والأسلحة. ويمكنك أن تضيف إلى الحالتين، حالات عديدة لقيادات بتنظيم «القاعدة»، تعاونت مع عصابات كولومبية فى تهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى البلقان وأوروبا، عبر دول غرب إفريقيا. كما لم يكن غريبًا، أن تعثر السلطات العراقية، فى مارس ٢٠١٩، على طن كامل من المخدرات، خلال قيامها بإلقاء القبض على ٤ عناصر من تنظيم «داعش».

جماعة «بوكو حرام»، أيضًا، وجماعات إرهابية أخرى غيرها، تقوم بتأمين أنشطة العصابات الإجرامية فى غرب ووسط وشمال القارة السمراء. وهناك شواهد عديدة على أن التنظيم الدولى لـ«الإخوان» تربطه علاقات وثيقة بعصابات الجريمة المنظمة. والثابت، أنه قام، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضى، ببناء هيكل قوى من الواجهات الاقتصادية والمالية وشركات «الأوف شور»، وما يوصف بـ«البنوك الإسلامية»، لإخفاء وغسل الأموال، مجهولة المصدر، التى يستخدمها فى تأمين احتياجاته وشراء الأسلحة، والتغلغل فى أوساط المجتمع المدنى، لبناء دعم شعبى، وإضعاف قدرة الدول، التى يتواجد فيها، على مواجهة أنشطته. .. وتبقى الإشارة إلى أن الإرهابيين والمجرمين، بمختلف فئاتهم وجنسياتهم، تجمعهم تنظيمات، جماعات أو عصابات، لديها جناح سياسى، وآخر عسكرى، وإدارة دعائية، وجهاز تجنيد. وتقوم على السمع والطاعة وتقديس القائد: العرّاب أو الأب الروحى، لدى العصابات الإجرامية، والمرشد أو الأمير، عند الجماعات الإرهابية التى قد يميزها استخدام النصوص الدينية لترسيخ تلك الفكرة: «لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة».