رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحيى صفوت: أي عمل درامي لابد له من رسالة وبُعد فلسفي (حوار)

الروائي يحيي صفوت
الروائي يحيي صفوت

حققت روايته «بر الضيف.. الميراث» الصادرة عن دار العين للنشر، الأعلى مبيعا خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته المنصرمة، إنه الكاتب الروائي يحيي صفوت الذي استطاع أن ينقل رواية الرعب إلى مستوى أكثر احترافية واحتراما لعقل متلقيه، فخلال رحلته مع كتابة أدب الميتافزيقيا، أحدث نقلة نوعية على مستوى الأفكار والبناء السردي المتماسك باذخ الخيال، من خلال رواياته «جنينة المحروقي، بر الضيف.. القسم، بر الضيف.. العودة، وبر الضيف.. الميراث».

وفي لقائه بالـ«الدستور» كشف يحيى صفوت عن عالمه الإبداعي والقضايا التي تشغله.  
ــ في روايتك الأحدث «بر الضيف» تطرقت إلى الأطماع الاستعمارية التي سبقت الاحتلال الإنجليزي، لماذا اخترت هذه البداية لانطلاق ثلاثيتك الروائية؟

عندما نتكلم عن الأطماع فلن نجد أقوى من هذا مثلاً، فمصر كانت مطمع للغزاة منذ فجر التاريخ ولازلنا نعاني من تأثير السلب والنهب والاستعباد الذي حدث في تلك الفترات، لكنها ليست البداية الحقيقية فالقصة أقدم من هذا.

ــ هل أمدك عملك في الهندسة بالتوثيق المعلوماتي الذي ظهر في روايتك بر الضيف وكيف كان هذا الأمر؟

عملي بالهندسة أتاح لي أدوات عديدة بفضل الله فأحد الشخصيات الرئيسية (يوسف القطّان) مهندس يعمل في مجال قريب من المقاولات (مجال عملي). وقد أفادني هذا في توثيق الأحداث التي تحيط بيوسف وملابسات عمله، وأمدَّني عملي كمهندس كذلك بأفكار مختلفة مثل الطابق الذي لا يظهر في العمارة إلا في ظروف معينة وغير هذا الكثير من طرق الكتابة وبناء العمل الدرامي وتخيل الأماكن والمساحات.    

ــ رغم أن أدب الماورائيات والخوارق يحظي باحترام في الغرب إلا أنه يعامل على أنه "كتب تسلية" في منطقتنا العربية، ما أسباب هذه النظرة وهل تراها تتغيير أو قابلة للتغيير على المدى الطويل ؟

هذا من أحد أهدافي الذي أتمنى أن أسهم فيه برواياتي، أي عمل درامي لابد له من رسالة وبُعد فلسفي يختلف عن بقية الأنواع في الشكل الذي يُعْرَض به، وأدب الغموض والتشويق هو مجرد رداء أسدلته فوق العمل الفني الذي نَحَتُّه بكلماتي.
المشكلة تكمن في بعض الروايات "السريعة" التي تعتمد على الحبكة والمواقف وتغفل محور تطور الشخصيات وعمقها وتفاعلها مع البُعد الفلسفي.

ــ هل فكرت في أن تسلك طريق السلاسل الروائية الماورائية علي طريقة أحمد خالد توفيق ؟

كل كاتب له طابعه وأسلوبه وهدفه د. أحمد خالد رحمه الله كان يخاطب شريحة معينة وفي يده ريشة مميزة وتشكيلة ألوان خاصة، وبالنسبة لاختيار السلسلة أو الأعمال المنفردة فليس لدي خطة مسبقة، العمل هو الذي يفرض الطريقة ومتطلباته هي التي توجهني وليس العكس.

ــ في رأيك لماذا لا تفوز روايات الخوارق والماورائيات بالجوائز الأدبية؟ وماذا تعني لك الجوائز؟ وهل تكتب عملا ما وعينك علي جائزة بعينها؟

لنفس السبب الذي ذكرته آنفاً، لابد للعمل من قيمة فلسفية ودرامية قوية وبُعد إنساني يؤثر على أكبر شريحة ممكنة، وهذا هو ما أراعيه في أعمالي.. "بر الضيف" على سبيل المثال تتحدث عن الضعف البشري والصراع النفسي الذي يدور داخل كل شخصيات الرواية على اختلاف خلفياتهم وطبائعهم،
وأنا بالتأكيد سأسعى للفوز بأحد الجوائز المرموقة لتكون المعيار الدقيق لنجاحي في إيصال رسالتي أو عدمه.

ــ هل فكرت في تحويل أيا من رواياتك إلى أعمال درامية وكتابتها للشاشة مباشرة أو تسعى لهذا مستقبلا؟

بالطبع.. أنا أكتب للقارئ كي يشاهده فيلماً وللمتفرج كي يقرأه على الشاشة، أسلوبي كثيف الحوار سريع الإيقاع ذو مشاهد سينمائية دون أن إغفال السرد الذي هو أساس العمل الروائي، لا أطيل في التفاصيل ولا أسهب في مناجاة المشاعر لكني لا أختزل حتى يتسطح العمل.
وأهم شيء هو أني أراعي الإمكانيات المتاحة فلا أعتمد على المشاهد المكلفة ولا التقنيات العالية، شعاري هو إن لم  يهتز القارئ من بناء الموقف نفسياً فلن يتأثر ولو أتيت له بتنينٍ ينفث لهيباً في وجهه.

ــــ شهد العقدين الأخيرين من الألفية الثانية إنتشارا ورواجا ملحوظا لفن الرواية، هل تري أن الرواية صارت ديوان العرب المعاصر؟

نحن جنس حكاء، بمعنى أن الإنسان يعشق القصص، واللغة العربية بها من القوة والثراء والموسيقى الداخلية ما يؤهلها لتحل محل الدواوين حتى لو في شكل رواية، هذا بالإضافة إلى تأثر الناس بالأعمال الدرامية والتناول الحديث للقصص، لكن الشعر سيبقى ما دامت المشاعر.  

ــ ما رأيك في "موضات" القراءة والكتابة٬ بمعني في فترة ما سادت وانتشرت روايات الرعب وفي فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية بكثافة هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تحللها؟
من وجهة نظري "الموضة" تبدأ بعمل قوي يلفت انتباه الناس لنوعه ومن بعدها تبدأ نظرية "كرة الثلج"، بحيث يتوجه أنظار الناس إلى ذلك النوع ويستغل الكتاب والناشرين هذه الحركة في تغذية السوق وإغراقه بهذا النوع.

ــ لمن يقرأ يحيي صفوت ولا يفوت عمل له؟
كتابات «اتش. بي» لاڤكرافت ود.محمد المنسي قنديل وأستاذ كمال رُحَيّم والكثير من أعمال د. أحمد خالد توفيق بجانب الأدب الأسباني والفرنسي، وبالطبع أقرأ لستيڤن كينج ودان براون.

ــ ما هو أول كتاب شعجك علي الكتابة
رواية إسمها العدو بداخلي The Enemy Within للكاتبة كريستي جولدن.
رواية مش معروفة بس رائعة.

ــ ما أقرب بيت شعر إلى قلبك وهل ينطبق على موقف من حياتك؟

قسمٌ مع الأيام صار منسيا
لكنا نحن لا نسى

قصدنا بيوتاً باتت قبورا
وجعلنا صراخكم همسا

هذه أبيات استهللت بها ملحمة "بر الضيف" مستوحاة من حياتنا اليومية وما يحدث في البيوت من جفاء وما يدوي فيها من صرخات مكتومة.

ــ ما أغرب موقف قابلته في الوسط الثقافي؟
فنانة مشهورة وجدتها تشير إلى "رواية بر الضيف" وتشيد بها دون معرفة سابقة بيننا.

ــ من هو أقرب أبطال رواياتك/ قصصك لك.. وما قصته ولماذا؟
توحيدة القطّان. توحيدة هي رمز للمرأة المصرية الأصيلة التي تحمل فوق كتفها الجبال دون شكوى. هي أصالة أمي وأخلاق زوجتي وإرادة ابنتي. توحيدة القطّان هي من انتصر على "الضيف" دون قوىً خارقة ولا سحرٌ قديم.  

ــ هل تذكر أول شيىء كتبته في حياتك؟.. وما هو؟
قصيدة شعرية غزل باللغة الانجليزية.
Your smile is the sunset everyone wants to last forever
Your voice is the eternal songs of the nightingale
Your face is my full moon in the darkest of nights
And in your eyes, lies the whole tale
كنت في الرابعة عشر حينها و كنت قد كتبت قبل ذلك أشياء لا أتذكرها الآن.

ــ هل هناك شخصية في فيلم مفضلة لك؟ ولماذا؟
أحمد زكي في أرض الخوف. شخصية ذات أبعاد عديدة بخلاف ما هو متعارف عليه، والصراع كان غني بالجبهات والأشكال في إطار غامض سحري.  

ــ ما هي القصة التي تحلم بكتابتها يومًا ما؟
أقوم بكتابتها الآن. ومخطط لها أن تكون جاهزة في نهاية ٢٠٢٢ إن شاء الله

ــ لو معك تذكرتين سينما من تدعوه من شخصيات تاريخية ولماذا؟
أينشتاين. لأن لي أبحاث ونظريات مبنية على نظرياته لم أعلنها بعد وأود مناقشته فيها. ودكتور مصطفي محمود لأنني أرى تشابه بين فكرينا دون أن ألتقي به وقبل أن أسمعه.

ــ هل تؤمن بالسحر أو الأعمال؟ وهل مررت بموقف شبيه؟
لا أؤمن بالسحر الذي يتخيله البعض، ذلك الذي يخرج نيراناً من العيون ويحول الناس إلى ضفادع. ما أؤمن به هو القدرة على التأثير على الحواس الخمس وتهيئة المتفرج نفسياً للخدعة.
مررت بتجارب يشيب لها الولدان لكن رغم هذا أنا موقن أن لها تفسيراً علمياً. فقد أنعم الله عليّ بخيال واسع بلا حدود، خيال له إرادة خاصة به وهو سلاح ذو حدين.

ــ إذا كتبت قصة من سطر واحد عن الموت كيف ستكون؟
"ذرني ومن خلقت وحيداً"، صدق الله العظيم.

ــ هل تعترف بقاعدة "أكتب عما تعرفه" أم أن المبدع من حقه خوض آفاق تجريبية حتي لو لم يعرفها؟
أعترف بها بشدة، بل إني مؤمن بالكتابة عن الأشياء التي تَمَسَّك شخصياً ولو بأقل القليل فهو ما سيعطيك عمداناً متيناً تبني عليه العمل. أما لو اضطررت للكتابة عن أشياء لا تعرف عنها شيئاً فأنصح بالبحث والدراسة كي لا يفقد العمل مصداقيته.

ــ بين الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك ولماذا ؟ وهل الكتاب الورقي في طريقه للزوال ؟
الورقي بالطبع، وهو في طريقه إلى العودة بقوة. قوة التجربة ومدى تأثرك بها تزيد مع عدد الحواس التي تتفاعل معها. فالعين تقرأ والأنامل تلمس والأنف تشم رائحة الورق والأذن تسمع تقلّب الصفحات، كلها أشياء تثري التجربة وتغمرك فيها.

ــ هل عانيت صعوبات في أول طريقك مع النشر ؟
الحقيقة قبل أن أنشر باللغة العربية نشرت ملحمتي الإنجليزية على أمازون وكانت تجربة صعبة اتعلمت منها كتير.  

ــ كيف تري دور المثقف والثقافة في محاربة الأفكار التكفيرية ؟
الثقافة وحدها درع يقي من الانحراف، شريطة أن تتبع أهم قواعد القراءة وهي أن تقرأ لجميع التيارات وتسمع لكل الأطراف قبل أن تكَوِّن رأياً نهائيًا.
دور المثقف بسيط، وهو أن يدعو الآخرين للقراءة والإطلاع دون أن يوجههم، لأن المشكلة الكبري هي فرض الآراء والتعصب لها. المثقف شخص مسلح بالمعلومات، والكلمات سلاح خطير.

ــ ما رأيك في "جروبات" القراءة وهل تضيف إلي الحراك الثقافي أم هي فقاعة صنعتها السوشيال ميديا؟
مثلها مثل السوشيال ميديا نفسها، لها إيجابيات وسلبيات وإن كانت الأولى تطغي على الثانية، حتى الآن. لكننا لدينا تلك العادة البشرية التي لا تنقطع وهي أننا نميل إلى السلبيات ونغذيها حتى تتوحش وتأكل الإيجابيات.
ففي تلك الجروبات نجد نصائح قيّمة وتجارب حقيقية ومقترحات عديدة وأجوبة لمعظم أسئلتنا. لكنها أيضاً لا تخلو من التوجيه والدعاية المقنعة التي سوف تفقدها مصداقيتها في يوم ما.

ــ هل تصنع ورش الكتابة الأدبية كاتبا حقيقيا أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر ؟
أي تعاون صادق بين أهل الخبرة والمستجدين في أي مجال ستكون مفيدة. من الممكن أن تتطور وتتغير أشكالها ومسمياتها لكنها ستستمر . هذا شريطة ألا تتحول إلى تجارة بحتة أو يكثر فيها أنصاف المبدعين وعديمي الخبرة.