رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناقدة: روايات المنتقبات تعالج القضايا الإنسانية بمنحي رومانسي «ساذج»

روايات المنقبات
روايات المنقبات

شكّلت كتابة المنتقبات من النساء خاصة للرواية، ظاهرة أدبية اجتماعية تسترعي انتباه الدارس للأدب والنقد في العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين معطيات مشهد يتناقض فيه فعل الإبداع وطبيعته مع ذهنية منتجه وكاتبته بصورة ما.

وفي تحليلها لظاهرة كتابة المنقبات للرواية، بوصفها ظاهرة ضمن ما يطلق عليه الأدب الإسلامي، تذهب الناقدة الدكتورة أماني فؤاد إلى أنه: "في مسألة الكاتبة المنتقبة هناك افتراضان: أن تكون الروائية مقتنعة ومؤمنة بضرورة لبس المرأة للنقاب، أو أن النقاب فرض عليها من سلطة اجتماعية أسرية.

وتوضح أماني في كتابها "المرأة ميراث من القهر": في حالة اقتناع الروائية بلبس النقاب تتنافي حتما مع فلسفة الفنون العميقة، حيث يناوش الإبداع بالأساس المستقر ويتحرش باليقينات ويجادلها، فتنحو النصوص الإبداعية إلي تمزيق العباءات التي تخرج منها لتطرح وتقترح عوالم أكثر حيوية.

وتدلل أماني: “ففي نص من وراء حجاب لمنى سلامة هناك أكثر من إصرار لا ينقطع في معظم فقرات السرد للإشادة بالسلف المسلمين وإثبات الفضل لهم، سبقهم في اكتشاف شفرة حجر رشيد علي سبيل المثال، وإسناد فضل اكتشاف قانون الجاذبية للبيروني وليس نيوتن بحسبه من العلماء الغربيين، وذلك من خلال طريقة خطابية مباشرة في القص”.

تضيف: "تكمن الخطورة أن المغالطات والمبالغات في نسبة الفضل للسلف تأتي في سياق تحفز فيه الروائية المسلمين علي اتباع طريق العلم وهو ما لا يختلف عليه أحد، فتقدم الروائية الرسائل التي تريد ترسيخها بطريقة تستخدم دهاء العرض، فتتداخل مبالغات ما تنسبه للسلف مع قيمة محبذة فيمررها القارئ رغم ما تشتمل عليه من مغالطات تاريخية وعلمية وابتسار للحقائق، فهناك فرق بين الإشارات الأولية لظاهرة الجاذبية التي قدمها العلماء المسلمين وبين استواء النظريات العلمية في العصور اللاحقة ووضع قانون يحكم حركة تلك الظواهر الطبيعية والتي وضعها علماء الغرب في العصور الحديثة، لكنها الرغبة في لي الحقائق لترسيخ معتقداتهم بطرق مختلفة لدي الناشئة".

وتضيف عن رواية "مارية" لياسمين حسن: تتابع الانفعالات في القص دون الشعور بأن النص يقدم قيمة فكرية وفنية مميزة، كما أنه لا يحمل تعدد المستويات الفنية والمعرفية التي يملكها نص روائي مميز، مستوي سطحي من السرد كل ما يميزه فعل التشويش لمعرفة كيف تبوح المرأة بأسرارها خاصة لو أنها منقبة، تمثل الكتابة في هذه الحالات محاولة إثبات الوجود، واقتناص بصمة في الحياة لدي كائنات تشعر بالتهميش، تحارب المرأة في بعض نماذجهن بالسرد لتعلن أنها مجرد كائنات تدب علي الأرض، ولها بعض الحقوق والتلويح بحقها في بعض الحريات الاجتماعية، وأن الطبيعة لم تركل النساء بقوة في ظهورهن فأصبحن عديمات الفائدة، يسير الآخرون مقدرات حياتهن، لأنهن ناقصات عقل ودين، خاصة وأن البطلة تعيش في السعودية إحدي المجتمعات شديدة المحافظة علي المستوي السطحي.

وتسطرد الناقدة الأدبية: "تمثل ياسمين حسن في ظني حالة خاصة من الكاتبات، فلقد تم توظيف الطقس الشكلي الخاص بها من قبل دار النشر، لخلق حالة من الفضول لدي القراء، وهو ما يضمن الرواج والانتشار ودخوله دائرة "البيست سيللر" بغض النظر عن القيمة الفنية، كما يحدث في أوروبا عندما تهتم بعض دور النشر بأعمال الكاتبات العربيات لكشف عوالم اجتماعية غامضة لديهم تتمثل في بوح عالم الحريم الغامض المعتم لأنه من وراء حجاب دائم، حيث الحياة ضمن حركة خفافيش الظلام ومحظوراتها. كما أن هناك تنوعا في حالات الكاتبات المنقبات، فبعضهن تقع في منطقة الصراع بين ما تريده بالفعل، وما يفرض عليها من وسطها الاجتماعي ويمثل ضغوطا قاهرة.      

ــ الفكر الذي وراء النقاب يستوجب رفض الفنون والآداب
تذهب الناقدة أماني فؤاد إلى أنه “يفترض النقاب تأثيم النساء غير المنقبات والنظر إليهن بنوع من التوجس في أخلاقهن، وكأنهن مارقات يحتجن الإصلاح ودعوتهن لطريق الهداية، أي رفض الآخر المهتلف حتي لو كان مسلما فهم يحتكرون صحيح الإسلام، وإن لم يستجب فينبغي تقويمه وإصلاحه ولو بالقوة والعنف وإراقة الدم، تقول مني سلامة في نص من وراء حجاب:لا يوجد حبر علي ظهر الأرض بإمكاننا أن نكتب به داخل بلادنا إلا الدم ويرد هذا في بناء سردي رمزي مقصود اختلقته الروائية حول بلد يرأس السلطة بها مجلس وصاية ظالم، وأن هناك رابطة دم تتشكل من جماعة تكتب وجودها وتسجله بالدماء، لنا هنا أن نلحظ الإشارات التي يستدل عليها من البناء الرمزي لعالم الرواية وهو ما يشي بموقفها الأيديولوجي الديني العنيف”.

وتؤكد أماني:"كما يستوجب النقاب والفكر الذي خلفه وأنتجه رفض الفنون والآداب بما تتضمنه من اختلاف الحالات البشرية وفردانيتها، ومعالجتها لكل التوجهات والرؤي والانغماس في الثقافة الدينية في المقام الأول: التعاليم والسنن والتفسيرات والقراءات والحفظ، والتوجس من مجالات الثقافة الأخري، والتشكيك في الخدمات اليومية التي يقدمها المجتمع بمؤسساته وحكوماته".

وتواصل:"كما التوجس من النساء غير المحجبات وتصويرهن أدني في تقييم الشخصيات، في نص "وقالت لي" لدعاء عبد الرحمن تؤكد في كل ثنايا السرد علي طبيعة اللباس الذي ترتديه المرأة وفضل غطاء الوجه وأفضلية المحجبة عمن سواها، بل تصل هالة التي ترتب لحياة بناتها قبل وفاتها لمرضها بالسرطان إلي توريث الغطاء الأسود أو الرمادي لبناتها أو من سيتزوجها زوجها بعد وفاتها وهي من تنتقيه لها ولبناتها قبل موتها وكأن هذا الرداء فيصل في تحديد ماهية الشخصية وأخلاقها في تحديد هويتها الخاصة والمميزة دون أن نراها تنشغل بتقييم قيم نماذجها من النساء والرجال، وكأن الشكل والسطح الخارجي هو الفيصل في تحديد ماهية البشر، كما يرد في العبارات السردية أيضا ألوان العبادات المختلفة، طبيعة الخدمات التي تقدمها جماعات السلفيين والإشادة بها، وتجسيد أفضل النماذج البشرية لمن يؤسسون هذه الجمعيات الخدمية للناس، وهو ما يمثل نوعا من تحسين صورة هذه الجمعيات الخدمية علي مستوي واسع عن طريق الأدب".

وتستطرد “تنحصر ثقافة المنقبات في النقل عن السلف، لا ثقافة تحفيز العقل والإبداع وشحذ طاقاته، ولديهن يعد النقد والجدل والفكر ــ إلا في حدود النصوص الموروثة شبه المقدسة ــ نوعا من الخروج علي تعاليم الدين، ويقر في أذهانهن فضل عصور الإسلام الذهبية حيث الماضي الذي أشرقت فيه الحضارة الإسلامية بيد السلف، فليس في الإمكان أبدع مما كان، ورغم أن الكثيرين من أفراد تلك الجماعات والتيارات السلفية يستكملون مؤهلاتهم العليا، ويتخيرون تخصصات مختلفة”.

وتخلص أماني فؤاد إلى أن روايات المنقبات: لا تقوي هذه النصوص علي طرح أسئلة الوجود الكبري، ولا طرح ظلالها من وراء السطور، فتلك القضايا في أذهان كتابها وكاتباتها يقينيات وقضايا محسومة في مرجعيتها الدينية، فلا تجد تساؤلا حول الخالق والكينونة وطبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوق، أو مجموعة القيم والقضايا الميتافيزيقية التي تشغل نصوص وأعمال المبدعين أصحاب الموهبة والإعداد الثقافي المنفتح.

لا تطمح هذه الأعمال لمناقشة الغيبيات أو خلق عوالم موازية عن التصورات المعهودة للكون معظم هذه النصوص تعالج القضايا الإنسانية بمنحي رومانسي ساذج، وتنضح كثير من الفقرات بترهات رومانسية لا تقوي علي توصيل فكرة عميقة عن طبيعة الذات البشرية. وتتضمن أيديولوجيات صارخة ودموية، لا تقيم الأوضاع السياسية العامة بصورة موضوعية ولا تتضمن اتزان الأحكام.