رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملاحظات حول حقوق الإنسان

الملاحظة الأهم حول إطلاق مصر لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» هى أن مصر فى قلب العالم، وأن هذا مخالف تمامًا لما توقعه أعداء ثورة ٣٠ يونيو، الذين لم يفهموا الواقع المصرى، ما زلت أذكر حوارًا دار بينى وبين قريب لى عقب ثورة يونيو مباشرة، كان يتوقع أن يقاطع العالم مصر لأن ما حدث بها وفق فهمه «انقلاب عسكرى»، قلت له إنه لا يفهم مصر جيدًا، وإن العالم سيتعامل مع مصر كما تعامل معها عقب ثورة يوليو ٥٢ تمامًا.. كان هذا جزءًا من دعاية الإخوان ضد مصر، كان يكشف عن عدم فهم للواقع، وتعال عليه، وإنكار له.. أيًا كان الأمر.. مصر الآن جزء لا يتجزأ من حركة السلم والأمن الدولى، أدوارها فى الإقليم معروفة، خاضت مواجهات إقليمية انتهت كلها بالسلام والتفاوض لا بالحرب والتصعيد.. أدت سياساتها لتهدئة الأوضاع فى غزة، وفى ليبيا، وفى بيروت، وفى المناطق الثلاث تلعب القوى الإقليمية الثلاث فى المنطقة، وتلعب مصر معها بهدوء وثقة.. تنخرط مصر فى مشروع عملاق لمحاربة الفقر، وهو الهدف الأول للأمم المتحدة منذ خمس سنوات.. إذا جئنا لحقوق الإنسان فإن نظرة على السبع سنوات الماضية تقول إن المشكلة لم تكن مع حقوق الإنسان ولكن مع «الاستخدام السياسى لحقوق الإنسان»، لم ترحب الدولة المصرية بوجود نخب تابعة ومتمولة تستخدم سياسيًا لتفكيك الدولة، أو للضغط عليها، لكنها بكل التأكيد لم تسحب هذا الموقف الرافض لحقوق الإنسان نفسها.. بلا شك أثرت المعركة مع الإرهاب على حقوق مثل التظاهر، والتعبير، لكن الواقع شهد تغييرات جذرية فى منظومة حقوق الإنسان بالكامل.. من الملفات المسكوت عنها مثلًا ملف الحريات الدينية التى شهدت طفرة غير مسبوقة منذ ثورة ٣٠ يونيو، طوال سنوات التسعينيات كانت هناك مضايقات تتعرض لها الأقليات الدينية فى مصر، وصل بعضها لحرق بيوت البعض فى القرى، أو لسحل البعض فى عهد الإخوان، اختفت هذه الممارسات تمامًا، وتنعم كل الأقليات بحقوقها الدينية الكاملة، فى الملف القبطى تم الحل الجذرى لمشكلة دور العبادة، قبل يناير ٢٠١١ كنا نصحو يوميًا على أخبار اشتباكات طائفية، ومناوشات، وتوترات.. كان البعض يدير الملف بطريقة خاطئة، وكان هناك استخدام محسوب للمتطرفين من كل جانب لردع متطرفى الجانب الآخر.. كانت هذه خطيئة وطنية بلا شك، والآن يحظى هذا الملف بهدوء غير مسبوق، ينطبق هذا أيضًا على كل دور العبادة للأديان الثلاثة.. تمكين المرأة سياسيًا أصبح حقيقة واقعة، وهو نفس ما ينطبق على ملف تمكين الشباب الذى شهد قفزات رائعة، الملاحظة الأهم فى إطلاق «الاستراتيجية الوطنية» أننا نرحب بحقوق الإنسان كخطوة نحو المستقبل، وليس كإملاء من الخارج، أو كوسيلة للضغط، أو اصطناع نخب تابعة ومتمولة.. الأهم أننا نبدو فى حاجة لبذل جهد حقيقى لنصل بمفهوم حقوق الإنسان لرجل الشارع العادى.. ولعله من قبيل المفارقة أن المواطن قد ينتهك حقوق الإنسان أكثر مما تفعل الدولة بكثير.. مثلًا.. هل الأب الذى يرغم ابنه على الدراسة فى كلية معينة يحترم حقوق الإنسان؟ هل الأب الذى يزوّج ابنته دون إرادتها يحترم حقوق الإنسان؟ صاحب الورشة الذى يضرب طفلًا يعمل لديه؟ المواطن الذى ينكر على جاره حقه فى العبادة؟ الذى يعتقد أن ذوى البشرة السوداء أقل منه؟.. إلخ كل هؤلاء لا يحترمون حقوق الإنسان.. وهم فى الحقيقة أغلبية الشعب المصرى.. من هؤلاء يخرج أمين الشرطة.. والضابط والمسئول الذى قد يتورط فى هذه الممارسات لأنه فى الحقيقة نشأ عليها.. والمطلوب هو أن تصبح «الاستراتيجية الوطنية» جزءًا من مناهجنا المدرسية، وواجباتنا الإعلامية والثقافية، مطلوب أن نتحرك فى اتجاه ترسيخ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ونعلن أن الحقوق السياسية نتيجة طبيعية لنجاح منظومة الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، وأننا نسير تجاهها.. ليس مطلوبًا أن نتطرف، يجب أن نفهم ثقافة الشعب، ونتحرك فى إطارها.. إلغاء خانة الديانة.. مطلب عظيم.. لكن الأولى هو الوفاء بحقوق المواطن الأخرى فى التنمية والتعليم.. كلما زاد التعليم قلت ثقافة التمييز والتطرف.. نفس الأمر بالنسبة لمطلب مثل إلغاء مادة ازدراء الأديان مطلب جيد.. ولكن الهدف من المادة منع المتطرفين من الإساءة للأديان الأخرى.. يمكننا إذن أن نطلب عدم استخدام المادة ضد الباحثين والمفكرين، وليس إلغاءها.. الفكرة أننا يجب أن نفهم الواقع إذا أردنا أن نغيره.. وأن تكون أجندتنا وطنية لا غربية ولا شرقية ولا أمريكية ولا أوروبية، استراتيجية وطنية ذات بعد حضارى عالمى وكفى.