رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد انتظامها.. نموذج الصين «الجدارة السياسية وحدود الديموقراطية» في عالم المعرفة

غلاف كتاب  نموذج
غلاف كتاب نموذج الصين

بعد أن انتظمت نسبيا تلك السلسلة العريقة التي يصدرها المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت والتي تعثر وصولها للقراء العرب نسبيا، وذلك نتيجة توقف حركات الطيران بعد "أزمة جائحة كورونا"، صدر عدد أغسطس من سلسلة "عالم المعرفة" وعنوانه "نموذج الصين.. الجدارة السياسية وحدود الديموقراطية" تأليف دانييل بيل، وترجمة عماد عواد، ويقع في 292 صفحة من القطع المتوسط ويحتوى على أربعة فصول بالإضافة لمقدمة المترجم، و"أفكار ختامية" و"الهوامش" و"بيبلوغرافيا مختارة".

وهو الكتاب الذي أثار العديد من الصخب والجلبة منذ صدوره في لغته الأولى وهي الإنجليزية بل وتمت مناقشته في أكثر من محفل فكري واقتصادي وسياسي دولي وعربي، يدعو القارىء للشعور بالفخر ومن قبل وبعد مؤلفه لما أسهم فيه من جدل، حيث يدفع من خلاله المؤلف بفكرة تعزيز المؤسسات السياسية في النظم الديموقراطية الانتخابية وكما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال وعلى النقيض من تلك المؤسسات الأمريكية العريقة في السياسة والعلوم الاقتصادية جديدها وقديمها، أتى المؤلف دانييل بيل بهذا العنوان معبرا عن الفكر "الكونفوشيوسي" المحض كسياسة وتيار مناهض لكل ما هو أمريكي في الأقتصاد والعلوم السياسية، والتي تعمل به وعليه غالبية النظم السياسية التي تحكم وتتحكم في المنظومة الاقتصادية تحت غطاءات سياسية لا تلاقي القبول من البعض خاصة في ظل بعض الأنظمة التي لم تزل تسير دولها بالأيدولوجيات والنظريات الشمولية أو الشمولية أو حتى الشيوعية كما هو الحال في دولة الصين والتي ينفرد المؤلف في توسعه نهر تجلياتها في التطور والنمو السريع والحاذق الذي لا ينشغل بتلك المقولات المرتبطة بالليبرالية ولا حرية الفرد في العيش ولا الحياة ولا حتى في أدنى متطلباته الإنسانية وهو اختيار النموذج الذي يتوافق مع العيش والحرية والترف كما هو شائع في الولايات المتحدة الأمريكية أو الرأسمالية الغربية بشكل عام ودقيق.

ومن واقع القراءة المتفحصة والدقيقة لما ورد في هذا المؤلف الذي يعتبر نواة لتيار فكري قد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى بروز نماذج لنظم سياسية هجينة، قد تكون إحدى صورها الجمع بين نظام الديموقراطية الانتخابية بقاعدتها الشهيرة "شخص واحد.. صوت واحد" بل يوغل الكتاب في فصله الأول في تعميق فكرة ماهية النظام الصيني القائم على الجدارة والكفاءة في اختيار القيادة العليا للبلاد أو على الأقل إحاطتهم بنخبة متميزة من الخبراء في جميع المجالات، الأمر الذي يمكنهم من وضع خطط حادة وجادة على المستوى والمدى البعيد بل وكذلك تنفيذها على مراحل محددة ومعروفة مسبقا. 

كيفية اختيار القادة في النموذج الصيني

في الفصل الثاني من الكتاب، يتحدث المؤلف عن كيفية اختيار القادة الأكفاء في نظام  "الجدارة السياسية" والتي تجلت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، حيث تم إعداد العديد من القادة الآسيويين ومؤيديهم بمفهوم "القيم الأسيوية" لتأكيد نظرية أن المجتمعات الآسيوية يجب ألا تتبنى القيم والممارسات الديمقراطية السياسية الليبرالية كما قال "لي كوان يو" رئيس وزراء سنغافورة بعدها بشهور في أحد خطاباته ولقاءاته بشعبه حيث اختلطت سنغافورة في هذه المرحلة الكثير من المقاربات على طريقة "النموذج الصيني"، حيث إن للمجتمع مصالحه الأولوية قبل مصلحة الفرد.

ةفي الفصل الثالث، يطرق المؤلف "دانييل بيل" الاتجاه النظري فيما يخص تأكيد مصطلح "الجدارة السياسية" كفكرة جيدة يلزمها التأكيد على متانة في التصميم فيما يخص النظام السياسي حيث يمكن من خلال هذه المتانة في التصميم، يمكن اختيار حكام يتمتعون بقدرات وفضائل عالية.

ثلاثة نماذج للجدارة الديموقراطية

تبدو الجدارة السياسية كما يقصدها ويضخ في وعائها المؤلف إلى أهمية التركيز على الهدف الأسمى والحيوي لفكرة "النوذج الصيني" وهو حتمية الدقة والحرفية الحيوية فيما يخص تجلي وتطوير فكرة النموذج الصيني في النظام الاقتصادي وهي أن يكون لعامل الكفاءات المعنية ببلورة وتأكيد وتسيير الفكرة، اختيار وترقية القادة ذوي القدرات والفضائل العالية خاصة.

كما يعود للمؤلف أيضا، أن هناك ثمة مرجعيات أخلاقية وفكرية سياسية تعود للآباء المستنيرين في البلاغة والفكر والحكمة مثال أفلاطون، وكونفوشيوس، سيق لهما وأن دافعا عن المعنى المجرد لأشكال الجدارة السياسية والتي تستبعد بالفعل الأغلبية من السلطة السياسية.

جدير بالذكر أن سلسلة "عالم المعرفة" تصدر شهريا من دولة الكويت منذ أكثر من نصف قرن وتعتبر من أهم السلاسل التي تتناول قضايا الفكر والفلسفة وعوالم الترجمة ومساراتها في الآداب والفنون وعلوم الأفكار.