رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسئولية الاجتماعية.. الفريضة الغائبة

لدينا فى مصر معضلة.. لدينا أثرياء كثيرون.. وفقراء كثيرون.. عددنا مائة مليون.. لذلك ستجد أن الموسرين كثيرون، والفقراء أكثر بكل تأكيد.. حاليًا يمر المجتمع بلحظة تاريخية، يريد أن ينهض، يسابق الزمن، يريد أن يحارب الفقر، هذا هدف استراتيجى للدولة، والتزام أخلاقى للرئيس، الأخذ بيد الفقراء ليس ذا بعد إنسانى فقط، له أبعاد أمنية، وسياسية، وتنموية أيضًا، كل فقير تستطيع تعليمه وتدريبه سيكون إضافة اقتصادية لك، لو لم تفعل سيكون عليك لا لك، فى الاحتفالية الأخيرة لـ«تحيا مصر» قال الرئيس إنه حتى الآن لم يحقق حلمه فى جمع مائة مليار جنيه تُخصص لمكافحة الفقر، المجتمع المصرى مجتمع تكافلى فى الأساس، المصريون القادرون خيرون، هذه إحدى الصفات الجيدة التى احتفظ بها المصريون، أعتقد أن معرفة الرئيس بالواقع المصرى هى التى دفعته لتأسيس «تحيا مصر».. الفكرة هى تنظيم العمل الأهلى، توجيهه فى وجهة مخططة ومنظمة، ومبنية على معلومات بحيث يؤدى فى النهاية لتغيير الواقع، حب المصريين للخير أدى لفوضى هائلة فى مجال التبرعات والعمل الخيرى نفسه، آلاف الجمعيات، ومؤسسات تابعة للأزهر، والكنيسة، وجمعيات دينية، وأخرى مدنية، أبواب الخير نفسها كثيرة، فالبعض يخرج زكاة المال، والبعض يتصدق، والبعض يتبرع لوجه الإنسانية، والقليلون جدًا جدًا يمارسون مبدأ «المسئولية الاجتماعية»، وهى موضوع هذا المقال.. المسئولية الاجتماعية نظرية أخلاقية تقول إن كل من يكسب من مجتمع لا بد أن يفيد هذا المجتمع، جزء من أرباحك يجب أن يتوجه لمن حولك، لدينا فى مصر شركات تمارس المسئولية الاجتماعية لكنها قليلة، معظمها فروع لشركات أجنبية، بعضها يمارس النشاط من باب ذر الرماد فى العيون، ما ينفقه قليل جدًا إلى جانب ما يربحه، فى ٢٠١٠ أطلق وزير الاستثمار محمود محيى الدين مؤشرًا للمسئولية الاجتماعية بين المائة شركة المسجلة فى البورصة، ثم وقعت ثورة يناير ولم نعرف مصير هذا المؤشر، ما أنا متأكد منه أن المائة شركة الكبيرة تتبرع كلها، وإلا ما كنا رأينا نشاط «تحيا مصر»، الأكيد أيضًا أن عددًا من رجال الأعمال تبرعوا مشكورين لـ«حياة كريمة»، وحملوا لقب سفراء، لهذا المشروع المهم، لكن المقصود أن نوسع قاعدة المسئولية الاجتماعية، لدينا فى مصر ١٥٦ ألف شركة تقريبًا، مطلوب أن نحدد أكبر عشرة آلاف شركة فيها، أو الشركات التى يزيد رأسمالها على مليون دولار، أو ١٦٠ مليون جنيه، ونطلب منها أن تمارس مسئوليتها الاجتماعية تجاه البلد، مصر لا تحتل مرتبة متقدمة فى ترتيب المليونيرات فى العالم «من يملكون أكثر من مليون دولار»، والنسبة لدينا ١،.. أو عشرة آلاف مليونير يملك كل منهم ١٦٠ مليون جنيه بحد أدنى، بارك الله لهم وزادهم، ووسع عليهم، ولكن هل يمارس هؤلاء المسئولية الاجتماعية التى يمارسها أثرياء العالم كله، الفكرة هنا فى تنظيم العمل الأهلى، بعضهم قد يبنى معهدًا أزهريًا فى قرية بها خمسة معاهد أزهرية، بعضهم قد يبنى مسجدًا فى قرية بها عشرة مساجد، هذا موضوع آخر، ولكنه أيضًا مهم، مطلوب إحياء فكرة المسئولية الاجتماعية كالتزام أخلاقى، ومساءلة الشركات حوله، مصر ثانى أعلى دولة فى العالم فى زيادة ثروات الأغنياء بعد نيجيريا بمعدل ١٢،٣٠٪.. شىء جميل، ولكننا نريد أن يكون للعمل الخيرى نصيب فى هذه الزيادة، لأن تغيير حال الفقراء يكفل الاستقرار للأغنياء، يقول بعضهم نحن ندفع ضرائبنا، ولا حاجة للتبرع، وأنا أقول إنهم فى الغرب أيضًا يدفعون ضرائبهم ولكنهم يتبرعون، لم يجبر أحد «بيل جيتس» على أن يتبرع بمعظم ثروته للأعمال الإنسانية سوى ضميره، والتزامه الأخلاقى، وهناك آلاف الأمثلة المعلنة وغير المعلنة، لمليارديرات قدموا بعض ما يملكون لخدمة الإنسانية، نريد أن يتمتع الموسرون لدينا بالرشد، وبالوعى، وبالإنسانية، وأن يتبنوا نظرية أخلاقية يعرفها العالم كله اسمها «المسئولية الاجتماعية» ليس للأمر علاقة بأى قانون، أو إجبار، ولكن له علاقة بشىء يميزنا كبشر، ويجعلنا أرقى كلما مارسناه هو الإنسانية.. أدعوكم إلى حملة دائمة ومستمرة اسمها المسئولية الاجتماعية للشركات المتوسطة وفوق المتوسطة، وللموسرين المصريين، فبمثل هذا تبنى الأوطان.