رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حياة كريمة بلا أمية

معلوم أن العدالة الإجتماعية في مفهومها العام العمل على تحقيق الإنصاف لجميع أفراد المجتمع بحصولهم على فرص عادلة إجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وقد عرّفت الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية أنها "التوزيع العادل والرحيم لثمار النمو الاقتصادي".
ولعل ما نشهده من إنجازات قد تحققت عقب ثورة 30 يونيو نراها تصب في مجملها في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية، والتي منها على سبيل المثال تحويل المناطق العشوائية إلى تجمعات سكنية رائعة لينتقل إليها سكان تلك المناطق، البدء في مشروع التأمين الصحي العام.. مشروع "تكافل وكرامة" مضاعفة رواتب العاملين في الدولة، ووصولًا إلى مشروع القرن "حياة كريمة" إلى غير ذلك من المبادرات التي تشكل مظلة حماية إجتماعية للفئات الأضعف في إطار تحقيق  العدالة الاجتماعية.
ولعل قضية مكافحة الأمية وما تقرر من خطط للمواجهة، تعد من أبرز ما ينبغي حشد الجهود الحكومية والشعبية لإعمالها في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية.
من منا يمكن أن ينسى معلومة أن عدد من بصموا فى الكشوف خلال العملية الانتخابية قبل ثورة ٢٥ يناير وصل إلى ٤،٥ مليون ناخب من بين سبعة ملايين أدلوا بأصواتهم.
إن هذا الرقم وغيره من الأرقام ومدلولاتها تجعلنا نستشعر خطورة ما نحن فيه وتداعياته المستقبلية، لأن إفرازات المجتمعات الأمية واختياراتها مهما بلغت درجات حسن النية والنقاوة والانتماء تتمخض بلا جدال عن نتائج تدفع إلى السقوط والتردى.. وإذا كانت تلك الأرقام تشير إلى أمية القراءة، فكيف الحال بالأمية الثقافية والأمية الصحية والاقتصادية وأمية التعامل مع الحاسبات والنظم الإلكترونية؟
وعليه أسعدني متابعة تقرير نشر على موقع "دار الهلال" حول استهداف الدولة في خطة استراتيجية للقضاء على الأمية بشكل تام، إذ أطلقت مصر مبادرة "حياة كريمة بلا أمية "متمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي، كان الهدف منها تعليم الكبار في القرى والنجوع الأكثر فقرا، بالتعاون مع الهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة".
وجاء في التقرير، أن المرحلة الأولى من المبادرة يتم تنفيذها في 143 قرية تشمل 11 محافظة والبداية ستكون في محافظة البحيرة والتطبيق سيكون على 25 قرية والمرحلة الثانية تشمل 240 قرية في الوجة القبلي والبحري، إذ تستهدف المبادرة الفئات العمرية من 16 سنة لـ35 سنة، وهناك استثناء للسن بشرط أن يكون المتقدم على استعداد تام للتعلم والمدة الدراسية من ثلاث أشهر لـ6 شهور.
وفي هذا السياق، ذكر رئيس هيئة تعليم الكبار، إن مبادرة "حياة كريمة" الرئاسية بخصوص القرى الأكثر فقرًا، تأتي في إطار الخطة الاستراتيجية للهيئة لإعلان مصر خالية من الأمية 2030، مشيرًا أن المبادرة تستهدف قرى معينة انتهت المرحلة الأولى منها، وبدأت المرحلة الثانية.
وفي مصر تعود جهود محو الأمية منذ النداء الأول لعلي مبارك من خلال أول وزارة للمعارف عام 1868 لمناهضة التخلف ونزع عار الأمية بوجهها القبيح عن أبناء شعب مصر منذ ما يقرب من 138 عامًا.. ثم لا يمكن أن ننسى الخطاب السياسي والاجتماعي للزعيم مصطفى كامل وما تضمنه من نداء ودعوة لمحاربة هذا الداء العضال.. ويذكر لنا التاريخ صدور القانون الأول لمحو الأمية عام 1944 الذي ألزم كل متعلم أن يمحو أمية أمي وأكدت بنوده على تجريم الأمية بل ومعاقبة الأمي ومن يمتنع عن محو أميته بالسجن.. ولقد أتت ثورة يوليو 1952 ومعها المشروع القومي لمحو الأمية الذي أطلق شرارته جمال عبدالناصر، وانتهى عصر ناصر وظلت الأمية، ثم كان عصر السادات وتشكيله للمجلس الأعلى لمحو الأمية .. وكان ما كان وانقضى زمن السادات وظلت الأمية، وفي زمن مبارك وعلى مدى 30 سنة ، صدر قرار الرئيس بأن يكون عقد محو الأمية من 1990 ـ 1999  ومع ذلك ظلت الأمية كابوسًا جاثمًا على صدر البلاد والعباد.
وفي هذا السياق وللتعرف على بعض محطات المواجهة مع أزمة "الأمية" يمكن الإشارة إلى كتاب صدر مؤخرًا بعنوان "الأمية فى مصر.. 1923 – 1952" للباحثة الرائعة "آية سمير غريب" عن سلسلة تاريخ المصريين التى تصدرها الهيئة العامة المصرية للكتاب، ومن بين ما أشار الكتاب إليه أنه في عام 1950 وبسبب انتشار الأمية خاصة بين النساء، انتشرت الأمراض فى المجتمع المصري، حيث بلغ عدد المصابين بالرمد الحبيبي 14.5 مليون نسمة بما يعادل 90% من المصريين، وعدد المصابين بالبلهارسيا 12 مليون نسمة بما يعادل 75% من المصريين، وعدد المصابين بالإنكلستوما 8 مليون نسمة بما يعادل 50% من المصريين، وحصلت مصر على المركز الأول فى وفيات الأطفال على مستوى العالم، وبلغ عدد الوفيات من المصريين سنوياً 441 ألف نسمة بسبب سوء التغذية وفقر الدم وانعدام النظافة فى المسكن والملبس والغذاء وغياب الحد الأدنى للرعاية الصحية.
والأمل كبير في زمن قهر العشوائيات بروعة واقتدار ووطنية وعزم وبأس بعد ثورة 30 يونيو، أن نتجاوز بتحقيق تلك الخطة السابق الإشارة إليها كل مراحل عشوائية مواجهات تلك الأزمة عبر تاريخنا الحديث، وأن نستطيع مواجهة كارثة الأمية بنجاح مع قائد تاريخي أعلن أن مشروعه الأعظم هو "بناء الإنسان".
لقد حرص الرئيس السيسي منذ بداية ولايته الحكم على أن يعلن أننا بصدد مواجهة خطابات ثقافية وإعلامية ودينية متراجعة تحتاج بحق ثورة لتصويبها للولوج باقتدار إلى عتبات الجمهورية الجديدة.