رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفكر الدينى المسيحى

لماذا يتحدث الجميع عن تصحيح أو تطوير الفكر الدينى الإسلامى فقط، ولا يتم ذكر هذا التصحيح وذاك التطوير على الفكر الدينى المسيحى؟ ولما كانت هناك تعليقات على المقال السابق (الدين بين الإيمانية والتوريث) خلطت خطأ بين الدين والفكر الدينى.
نقول إن الدين الموروث الذى قصدناه ونقصده دائمًا ليس النص الدينى المقدس ولكن هو ذلك الفكر الدينى الذى هو فكر البشر (أيا كانت أهمية مواقعهم الدينية وغير الدينية) فى فهم وتفسير النص الدينى المقدس.
حيث إن ما يأخذه الطفل منذ الصغر من أسرته هو ذلك الفكر الدينى الذى ورثته هذه الأسرة إضافة لتراث وعادات وتقاليد تم مزجها خطأ بالدين فأخذت ذات القداسة الدينية، وعلى ذلك فهذه القاعدة تنطبق على الفكر الدينى المسيحى مثل ما تنطبق على الإسلامى.
فالدين هو الدين والفكر الدينى هو فكر البشر للدين وكذلك الموروث والذى تأثر ويتأثر بالزمان والمكان لأى دين، وهنا نجد أن الفكر الدينى المسيحى أيضًا قد تأثر وورث فكر وأعمال ومقولات وتفسير لرجال الدين الأوائل ذلك الفكر الذى كان يتواكب مع عصره وزمانه ويتسق مع الفكر السائد والثقافة المنتشرة.
فما بالك وعلى مدى العصور والأزمنة والتى كانت الأساطير والخرافة والخزعبلات تسيطر على فكر البشر حيث معطيات الواقع الفكرية والثقافية كانت تقبل ذلك امتدادًا للتاريخ الإنسانى ومنذ بداية الخلق، وهذه مراحل تطور مر بها الإنسان والإنسانية.. فمثلًا: هناك قصص تتلى فى الكنيسة (السنكسار) وهى قصص كتبت فى أزمنة غير هذا الزمان وفى ظروف لا علاقة لها بالحاضر.
كما أن هذه القصص كتبت فى عصور اضطهاد حقيقى للمسيحيين فكان من الطبيعى أن تكتب هذه القصص بهدف تقوية الإيمان القوى حتى يمكن مواجهة هذه الاضطهادات، ولذا نجد قصص لا علاقة لها بالحقيقة أو الواقع أو العقلانية.
فهى كانت تتواءم مع زمانها وظروفها وبالرغم من ذلك نجد المؤسسة الدينية وعلى قاعدة التوريث وخلاص تلتزم بسرد هذه القصص وتعلم بحقيقة حدوثها، وخطورة هذا أن أغلب هذه القصص كان لمواجهة الاضطهاد الشىء الذى يجعل المتلقى يسعد بسماع تلك القصص فأصبحت جزءًا من الثقافة الجمعية التى تعيش مناخ الاضطهاد بل تستملحه.
وهذا يثمر شخصية لا تتعامل مع الواقع والتعامل العقلى وبالتالى لا تقبل الآخر الذى قام بالاضطهاد، والاضطهاد هنا لا يقع على التاريخ فقط ولكن يستمر للحاضر فينتج علاقات مجتمعية غير سوية! ويستمر الموروث بلا مناقشة منطقية أو عقلية تتفق مع صحيح النص الدينى (حبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم.. إلخ) ولكن يظل الفكر أسير المؤسسة الدينية التى تحارب للحفاظ على نفسها ومصالحها المعنوية والمادية.
وهذه المصالح تستوجب توريث رفض الآخر ليس الآخر المختلف دينيًا بل الآخر المسيحى أيضًا، فالأرثوذكسى يعلم أن السماء حق حصرى لهم دون غيرهم، والكاثوليكى يحرم الأرثوذكسي تاريخيًا لاختلافات طقسية، والبروتستانتى بالرغم من ثورته على الكهنوت وعدم وجود كهنة لديه يتعلق بالموروث المصرى للكهنوت الذى تم وراثته من الفراعنة ويتعاملون بمسمى (أبونا) والجميع يقدس البشر (رجل الدين) بتبرير الاحترام ناسين أن الاحترام واجب إنسانى لكل البشر المختلف والمتفق.
مع العلم أن الإنجيل يحظر التعامل مع البشر أى بشر بمسمى (سيدى أو أبونا) أليس هذا موروثا لا علاقة له بالنص المقدس؟ أليس هذا فكرا دينيا خاطئا يتم توريثه حفاظًا على المصالح الخاصة وتأجيجًا لعاطفة دينية تم تربيتها هنا وهناك دون استثناء على التوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة التى تصل بالطبع إلى رفض الآخر أى آخر؟
وعلى ذلك فالفكر الدينى على العموم مطلوب تصحيحه وتطويره لصالح الدين ولصالح البشر ولصالح معتنقيه ولصالح الوطن الذى يحتاج إلى حالة حقيقية لقبول الآخر، والتغيير هنا لا يعتمد على المؤسسة الدينية لأنها محاصرة ومطالبة بالحفاظ على كل موروث، ولا على التعليم والإعلام والثقافة فقط ولكن على الايمان الشخصى بهذا التغيير والخروج من حوصلة الموروث الغير متوافق مع النص ومع الواقع.
فالجميع يتحدث عن التغيير ولا يتحدث عن نفسه (لا يغير الله قومًا حتى يغيروا ما بأنفسهم)  حفظ الله مصر وشعبها العظيم.