رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مزيد من الحكايات.. على هامش الذكريات

بناء على رغبة الكثير من المتابعين فإنني أعاود الكرة وأنشط الذاكرة لأستعيد مزيدًا من الذكريات مع عدد آخر من المصادر الذين جمعتني بهم مسيرتي المهنية، أتذكر مثلًا سيدة مجتمع وناشطة حزبية كبيرة كانت تبادر بالاتصال بي لساعات لاستطلاع رأيي في أمور تخص الجمعية الكبرى التي تديرها، أما حين تحتاج أنت إلى رأيها أو ترغب في التواصل معها لأمر مهني فهي تدّعي عدم معرفتك، وكما يقول أحد الشعراء: تروغ منك كما يروغ الثعلب.

رياضي مصري كبير، لم يجد متسعًا له في ناديه ولا في مصر بعد الاعتزال فهاجر إلى الخليج، وصفوه بالخلوق بعد أن بادر بالاعتراف لحكم مباراة بعدم صحة هدف سجله في فريق منافس.. المهم أنني تمكنت يومًا من الحصول على سبق بمحاورته، وبعد عامين أردت أن أستطلع رأيه في شأن كروي من خلال حديث جديد، فإذا به يرد- وصوته مميز جدًا- ويقول لي إن رقم الهاتف ليس صحيحًا وأنه ليس هو الشخص الذي أطلب محادثته، ولسوء حظ الكابتن "الخلوق" لم يغلق هاتفه فإذا به يحدث شخصا بجواره، ليقول له: "أنا مش بحب الإعلام ومش عايز أتكلم فيه"، ومنذ ذلك اليوم تخليت عن براءة، بل قل سذاجة البدايات، فلم أعد أحكم على إنسان ما قبل أن أختبره في مواقف عدة.

شخصية سياسية كانت بارزة جدًا في مرحلة من المراحل بعد أن واجه وزير داخلية تحت قبة البرلمان، فحسبه الناس ليبراليًا حقيقيًا ورجل مواقف وصاحب مبادئ، طلبته للتسجيل معه في أحد البرامج الرمضانية القصيرة، أدهشني حين حدد موعد التسجيل في نفس يوم المكالمة، لا يفصلني عنه سوى عدة ساعات، وبالفعل أنجزت «اسكريبت» يليق بشخصية أحبها، وبدأت الحوار، فبدا لي شبه ثمل بلا تركيز ودون انتباه، وبعد عدة أسئلة طلب مني أن أوقف جهاز التسجيل ليعيد الاستماع لما سجلناه، ثم مضى إلى حيث دورة المياه ورطّب وجهه بقليل من الماء وعاد ليطلب مني أن أمحو ما سجلناه للتو، وحين فعلت وأعدنا الحوار من جديد، بدا لي أنني أجلس مع شخص آخر غير الذي كنت أحاوره قبل دقائق.

سيدة ذات فكر ليبرالي، اشتهرت بجرأة طرحها القضايا وبأفكارها المتحررة من القيود الاجتماعية أو المسلمات الدينية، ذهبت لمحاورتها ولم تكن هي المرة الأولى، واختارت أن نجلس في شرفة منزلها الذي تجاوز بضعة وعشرين طابقًا، وكعادتي أبدأ حواراتي بأسئلة ودودة تعطي للضيف حقه وتعترف بقدره ثم أمضي للأسئلة الشائكة مع النصف الثاني من الحوار، وإذا بها تنتفض غاضبة عند بدء أول أسئلتي الشائكة تلك، والذي فهمت من صياغتي له أنني أتهمها بافتعال الأزمات مع المؤسسات لتنال دعمًا خارجيًا ومزيدًا من الشهرة، وعند هذا السؤال رفضت أن تتم المقابلة، حتى إنني ظننت أنها لو امتلكت القوة البدنية لتطيح بي من شرفة منزلها التي كنا نجلس فيها ما ترددت، طلبت تدخل زوجها الطبيب والروائي الذي كان يجلس على بعد خطوات لاستئناف الحوار فرفضت وساطته، لكنني كنت من بادر بمحاورتها فيما بعد حين اضطرتها ظروف ملاحقتها قضائيًا أن تترك البلاد لنحو عام كامل، فبحثت عن هاتفها في الولايات المتحدة لأحاورها دعمًا لموقفها وإيمانًا مني أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر.

كاتب صحفي ترأس تحرير إحدى الصحف الخاصة ثم أصبح نجمًا في مجال الإعلام المرئي فيما بعد، طلبت محاورته فرحب وحدد موعدًا، وحين ذهبت إليه وجدت شخصًا يقدم نفسه لي على أنه سكرتير التحرير وأنه على استعداد لأجري معه الحوار بدلًا من رئيسه الذي اضطر للمغادرة لظرف طارئ، كدت أتفهم الأمر وأعتذر منه على أن أعود لمصدري لاحقًا، غير أنني فوجئت بزميلة لي، ومع السلام والسؤال: ماذا تفعلين هنا؟ قالت لي كنت أجري حوارًا مع فلان رئيس التحرير، أسقط في يد سكرتير التحرير، وطلبت منه ورقة كتبت فيها جمل توبيخ لرئيسه الكذوب هذا ثم غادرت بلا رجعة، تصل مكتب الرجل وأنا في الطريق وطلب مني أن أعود لمقابلته خصوصًا أنني لم أبتعد كثيرًا، فرفضت بإصرار، ومن ساعتها لم أحاور الرجل ولم ألتقه ولم يعد ينال الحد الأدنى من احترامي مهما ادّعى المثالية على الفضائيات التي عمل فيها.

بطل شعبي ورمز برلماني اشتهر عنه دفاعه عن الفقراء إيمانًا بالفكر اليساري وبالاشتراكية التي تحمس لها، ورغم أنني حاورته عدة مرات إلا أنني حرصت ذات مرة أن أمضي إليه حيث هو- في محافظته الساحلية- لأنظر حقيقته بعينيّ رأسي، وكان اللقاء به على المقهى الأثير إليه، وكانت الصحبة عبارة عن عدد من العمال والصنايعية وأصحاب المعاشات الذين انتمى إليهم ودافع عنهم طوال حياته فاستحق محبة الناس له، رحمة الله عليه.

وفي أجندتي المزيد من الذكريات حول الكثير من الشخصيات سأبوح بها وربما بالاسم كل في حينه.