رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قادة السوشيال ميديا

سألت نفسي مرات كثيرة: من هم قادة السوشيال ميديا؟ وما أهمُّ ملامحهم؟ الإجابة صدمتني شخصيا، وأنا السائل، فقادة السوشيال ميديا هم المخادعون غالبًا، وأهمُّ ملامحهم المراوغة التي هي معنى الخداع بالضبط. أعني بالقادة من يترأَّسون النَّاس هناك في الرأي ويوجِّهون بوصلتهم في الأتياه، والنَّاس يسيرون وراء هؤلاء كالعميان، مؤمنين بهم إيمانًا بالغًا يعلو على إيمانهم بأنفسهم.. وههنا مكمن الخطر؛ أعني الاتِّباع الخاضع الذَّليل الذي بلا حجَّة!
قد أصبح هؤلاء القادة قادة بركاكة الآخرين وغفلة صدورهم وتدنِّي عقولهم.. أصبحوا من يملكون الزِّمام لأنَّ الجموع من حولهم كالقطيع؛ فلا اعتراض لديهم على ما يقوله قائدٌ من القادة المزعومين، ولا مناقشة لما يَهْرِف به ليل نهار، ولا تمحيص له من الأساس: من هو أصلًا؟ وكيف صار قائدًا؟ ولماذا؟..
أغلبية من نالوا الرُّتبة في السوشيال ميديا لا يستحقُّونها.. ولم تصل إليهم تلقائيا لفرط فروسية أو نبل طباع، لكنهم منحوا أنفسهم هذه الألقاب الكبرى ساعين إليها سعيا محمومًا؛ فبينما الناس مشغولون عن رصدهم وحصدهم، وجدوا في الأحداث الملتهبة، أيًّا كانت، فرصة للصعود المعنويِّ فصعدوا، والمشكلة أنهم يدَّعون التَّجرُّد والسُّموَّ، ولم يكتفوا بادِّعاء امتلاك رفعة لا يملكونها، لكنَّهم طمعوا في الغنى المادِّيِّ أيضًا، وغنوا إذ فتحوا لأنفسهم آفاقا إلكترونية مربحة من اللاشيء، ومع ذلك يصفون أنفسهم بالقانعين الذين لا تغريهم أموال الدُّنيا، والرَّاضين بأحوالهم القاسية التي كم يعانون بسببها، هكذا يكذبون ويكذبون، وليست الأزمة في أن يكذبوا على أنفسهم ويستمرئوا الكذب، إنَّما الأزمة في أن يصنعوا من كياناتهم الفارغة أوعية ممتلئة يضلِّلون بها الخلق تضليلًا، مستغلين حاجة النَّاس إلى من يرشدون أرواحهم في الطَّرق المظلمة التي تحتاج إلى مشاعل!
لا يحمل أمثالهم ألوانًا معيَّنة ولا رُسُومًا محدَّدة؛ فنشير إلى بقية خلق الله ناصحين إيّأهم أن يحذروا هذا اللَّون، ويتجنَّبوا ذاك الرَّسم، لكن الشيء الذي يجعلهم مميَّزين وسط الباقين هو حرصهم على القيادة وخروجهم عن معنى التواصل الاجتماعي إلى معان أخرى!
الأساليب فضَّاحَةٌ طبعًا، وعلى المقيمين في السوشيال ميديا بعد أن تركوا الشوارع
الواقعيَّة فارغةً يأسًا أو مللًا، أن ينتبهوا للأساليب- لوميضها الخفيِّ كما الظَّاهرِ..
يُبيِّنُ أسلوب شخصٍ، بالنَّظر العميق الطَّويل إليه، طبيعة الشَّخص وتطلُّعاته ومساره الكلِّيَّ (الأسلوب: الطَّريقة والمذهب والنمط. وأساليب القول: فنونه المتنوِّعة)؛ من هنا كان على المتابعين أن يدقِّقوا في الأساليب المعروضة عليهم بطول الصفحات وعرضها.. الصفحات التي تضمُّها الشَّاشات، ولا يدرك أحدٌ إن كانت حقيقةً أم وهمًا، ولرجلٍ، كما قد يكون مُثْبَتًا، أم لامرأةٍ تفضِّل الإعلان عن نفسها كرجل.. إلخ إلخ
السوشيال ميديا متاهةٌ افتراضية معقدة، وقلَّ من ينجو في النِّهاية، وقد يكون فحص الأساليب وفرزها من الوسائل النَّافعة للخروج من هذه المتاهة بسلام!