رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كل ما أعرفه».. كيف نصب علي قطب كل هذه الفخاج السردية؟

غلاف الرواية
غلاف الرواية

في روايته "كل ما أعرفه" الصادرة حديثًا عن دار العين للنشر والتوزيع نصب مؤلفها الروائي الشاب علي قطب عدد من الفخاخ السردية لمتلقيها، فمن عنوان الحكاية السردية كعتبة نصية تضع المتلقي أمام العديد من علامات الاستفهام. فمن هو المتحدث؟

هل هو الراوي العليم الذي يخبرنا كل ما يعرفه؟ وما هو هذا الذي يعرفه وهل سيخبرنا به؟ أما أنها الشخصيات التي تخبرنا كل واحدة علي حدة بجزء من الحكاية؟ لتكتمل القصة في النهاية علي طريقة "البازل"؟ أم هي الحكاية لكنها موزعة بوجهات نظر أبطالها كل علي حدة؟ كما في قصة "العميان والفيل" الهندية؟، أم أنها حكاية داخل حكاية يرويها الكاتب / البطل وهو يقدم لنا ما نسجه خياله كتابة في هيئة رواية أبطالها قريبين منه، سواء كانت زوجته أو ابن خالته أو صديق دراسته الذي يشك في أن زوجته علي علاقة به؟.

يبدأ الرواي/ البطل أحمد علي من النهاية من علي حافة المقطم وهو يتراوح ما بين الرغبة في التخلص من هذا الحكاية بحمولاتها التي أثقلت كاهله وحياته، وما بين رغبته في معرفة الحقيقة. والسؤال الذي يمزقه هل بالفعل خانته زوجته مع صديقه "ياسر الغنام"؟، وهل خانه ابن خالته "أحمد محفوظ" واغتصب زوجته "غدير" بعدما عرف بخيانتها له؟

في متتالية سردية بأصوات متعددة لأبطال الرواية / الحكاية، ولا ندري إن كانت هذه الرواية هي التي بين أيدينا ونقرأها بالفعل، أم إنها الرواية التي يسردها البطل "أحمد علي"، وهو يتابع ويراقب من حوله، ويتخيل ــ روائيا ــ  تواريخهم وحكاياتهم حيال بعضهم البعض والعلاقات التي تربطهم.

وهل كانت العلاقة التي ربطت "سلوي" والدة صديق ياسر الغنام "كريم" مدبرة منذ البداية، منذ أن كان ياسر الغنام يستذكر دروسه مع زميل  دراسته "كريم"، لتنتهي بالإبتزاز والضغط عليه ليوافق علي عمل كريم في شركته، أم أن ما وصل إليه كريم من إدمان وضياع لحياته ومستقبله، بدأ من اللحظة التي شعر فيها بوجود علاقة جسدية بين صديقه الغنام ووالدته سلوي؟ أم هذه كلها أوهام وخيالات روائية ينسجها أحمد علي في روايته ويشاركنا فيها، بالتلصص علي حيوات أبطاله الذين يوهمنا أنهم أشخاص حقيقيين في محيطه الحياتي؟. 

وربما تكون الخدعة السردية التي انتهجها الكاتب علي قطب في روايته "كل ما أعرفه"، وسيلة لعصف أفكار ذهني، عن الأحكام المسبقة التي نتبناها في حياتنا، وعن النظر للكون وكأننا مركزه، عن وهم امتلاكنا للحقائق المطلقة. فالراوي / البطل "أحمد علي" يحكم علي شخصياته الخيالية التي خلقها ويبدأ في التعامل معها علي أنها حقيقة. شخصياته التي استلهمها من المحيطين به: غدير زوجته، محفوظ ابن خالته، وياسر الغنام صديقه والسؤال الذي أرقه: لماذا اختارت غدير الزواج منه وليس من ياسر الغنام بما يحمله من ثراء فاحش؟ وهي المسألة التي قضت مضجعه، فكانت ركيزة لينطلق منها في كتابة روايته، ليثبت سرديا أن زوجته خانته وأن الجنين الذي يقبع في أحشائها هو لواحد من أثنين، إما ابن خالته محفوظ، أو صديقه ياسر الغنام. لربما أراد أحمد علي أن يخرج من أرقه وحيرته عن سبب اختيار زوجته له علي ياسر أتهامها بالخيانة، حتي أنه خلق لها حياة مستقبلية عندما تهرب من مصر برمتها وتستمتع في بلد أوروبي بأموال ياسر الغنانم التي كانت تخطط لها منذ البداية.  

على مستوي آخر من السرد قد تكون القصة كلها خيالية مفتعلة، يقدمها لنا الراوي "أحمد علي"، علي أنها رواية يكتبها، فنجد أنفسنا في حكاية تتناسل منها حكايات أخري، كل حكاية يقدمها لنا أحد شخوص الحكاية الرئيسية، فمرة أحمد علي ومرة محفوظ، فغدير، أو ياسر الغنام. وإن كانت تنبثق علي هامش هذه الحكايات ظلال لأشخاص كريهة كــ"خالد الشيخ"، المتخفي في صورة الرجل التقي الورع، بينما هو مجرم عتيد لم يترك جرما إلا أرتكبه، حتي أنه في النهاية تحالف مع عدوده التاريخي "أشرف" والذي تنازل بدوره عن شرفه مقابل المال.

رواية "كل ما أعرفه" رواية شديدة التكثيف والتعقيد في آن، تحمل العديد من الدلالات والإشارات عن المفاهيم التي مازالت محل نقاش وجدل. نجح مؤلفها الشاب في صياغة حبكتها بمهارة فائقة، ومحملة بكثير من التأويل الذي سيختلف بالضرورة من قارئ لآخر، وإن كانت في النهاية تخبرنا بمقدم روائي بخطي ثابتة في عالم السرد العربي، رسخه من خلال هذا العمل الذي يحتاج لأكثر من قراءة لسبر أغواره.

758
758