رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة والأغانى والحب

ليس تدهور مستوى كلمات الأغنية العربية والمصرية خاصة هو المشكلة الأولى فى ذلك القالب الفنى، وليست المشكلة الأولى أيضًا تلك الدهشة التى تثيرها أحيانًا كلمات الأغانى.

مثلًا حين تسمع رامى صبرى وهو يصف معشوقته بحرقة ولوعة مغنيًا: «يدخل قلبك يعلّم.. يخطف خطفة معلّم»! فتتخيل على الفور أن حبيبة رامى نشالة فى أتوبيس، بتخطف المحفظة من جيب الزبون «خطفة معلم»!

أما العندليب مصطفى قمر فيغنى: «عناب خدوده سكرى.. قربت منه أشترى»، وعلى الفور تتساءل: «كيف تكون الخدود عناب والعناب مشروب؟ أم أن محبوبة مصطفى فاتحة محل عصير فى وجنتيها؟!».

جنتل الغناء هانى شاكر له رجاء آخر يشدو به بلهفة وحرارة: «لو سمحتوا.. لو سمحتوا.. يمشى يتمخطر براحته.. اوعى حد يقل راحته»!! وهى المرة الأولى التى أسمع فيها عن واحدة نازلة «تتمخطر» مع أن الناس كلهم عادة «ينزلوا يتمشوا بس»!، يعنى البنت تقول لأمها: «أنا نازلة أتمخطر ساعتين كده وراجعة» وأمها ترد: «طيب يا حبيبتى بس متتمخطريش كتير»!

أقول إن تدهور مستوى الكلمات والدهشة التى تثيرها أحيانًا ليس لب الموضوع، لكن مأساة الأغنية أكبر من ذلك، وتحديدًا فى كونها منذ نشأتها قد حاصرت المرأة فى ركن وحيد هو «الأنوثة»، وستجد أن المرأة فى جميع الأغانى فاتنة، جميلة، ذات عينين كحيلتين، ورموش طويلة، وضحكة حلوة وأحيانًا رقيقة، وممشوقة وملفوفة العود، فهى على امتداد تاريخ الأغنية مجرد أنثى، تمتاز فقط بصفاتها الجسدية، لكنك لن تجد أغنية واحدة تصف المرأة المعشوقة بالذكاء، أو القدرة على التعاطف مع الآخرين، أو التضحية! كلا!.

فقد كرست الأغنية مفهوم المرأة الأنثى التى لا يمكن لها أن تكون شيئًا خارج ذلك الإطار، ورسخت مفهوم أن الحب يقوم على تلك العلاقة بهذا الفهم، علاقة الشخص الذى يسهر الليالى مشغولًا بعينيها، على حين كان من الممكن أن يسهر الليالى مشغولًا بأنها تحاول أن تساعد الآخرين، أو تقوم بعمل خيرى، أو تتولى مسئولية إخوتها الصغار، وكل تلك أسباب تدعو للحب أيضًا.

أحكمت الأغنية حصار المرأة فى الجسد، وبسببه تنطلق آهات العاشقين ليل نهار، لم نسمع قط أغنية عن رجل يحب ويعشق فدائية مصرية فى سيناء قبل استعادة سيناء، لم نسمع أغنية عن رجل يسهر جدًا لأنه يحب طبيبة أنقذت طفلًا فى مستشفى، أو أغنية عن شاب حركت فتاة إعجابه بها لتفوقها فى الجامعة.

وليس لدىّ اعتراض على أن يكون الحب الموضوع الرئيسى للأغانى، فليكن الحب، وليكن عشق الرجل للمرأة، لكن فلنوسّع قليلًا من دائرة تصورنا للأسباب التى يمكن لأجلها أن نعشق النساء، لأننا بذلك نوسع من دائرة تصورنا للحب نفسه، ونُخرج الحب نفسه من حصاره فى المنطقة الجسدية إلى آفاق العلاقة الروحية.

لماذا لا نسمع أغنية عن ولد أحب فتاة فقيرة لأنها رغم ظروفها الشاقة نجحت فى إنهاء تعليمها أحب فيها قوة إرادتها وعزيمتها وليس فقط رموشها التى تدلت بالمصادفة من جفنيها؟

فى الخارج يمكن أن تجد أغنيات مكتوبة مشبعة بعشق الرجال للنساء، بكل أبعاده، ولكن أيضًا مع وضع المرأة فى خانة أعرض وأعمق من مجرد كونها امرأة، أى فى خانة الإنسان الذى لا تقل بطولاته وآماله وتضحياته عن أى من الرجال.

أحلم بيوم أسمع فيه أغنية عن رجل يعشق امرأة ويقلق لأجلها لأنها عالمة ذرة تقضى وقتًا طويلًا فى معملها مع الإشعاع والخطر، فليعشقها ويحبها لسبب آخر غير أنها «بتتمخطر» و«عناب خدوده سكرى»!.