رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين بين الإيمانى والموروث

قالوا وقلنا وسنقول طوال الوقت إن إشكالية الفكر الدينى الذى هو فكر البشر- القابل للصواب وللخطأ- فى تفسير وتأويل النص الدينى "الإلهي". والفكر الدينى هذا وفى كل الأديان ينطلق من قاعدة وواقع الدين الموروث.
فكل منا ولد لأبوين مسلمين أو مسيحيين.. إلخ، من الطبيعى أن ينمو ويتربى ويتلقم ويتعلم الدين الموروث للأسرة من أجيال سابقة، وتم توريثه هو أيضًا هذا الدين، ففكرة وواقع التوريث للدين تتناقض كل التناقض مع الإيمان الحقيقى الواقر فى القلب.
ذلك الإيمان الذى يحدد علاقة خاصة جدًا بين الإنسان وبين الله لا يعلمها ولا يدركها غير الله وهذا الإنسان- لا يعلم غير روح الإنسان الساكن فيه- أما النظر والتعامل مع الدين على أنه توريث وفقط، فهذا يحول الدين إلى تراث دينى واجتماعي.. إلخ، يجب الحفاظ عليه مثل الحفاظ والافتخار بالنسب العائلى والمادى والقبلى والجمهوى.
والتوريث والتفاخر هنا يخص الجانب المادى وليس الروحى فى الوقت كل الوقت الذى فيه الدين أى دين يخاطب الروح الباقية والخالدة، وهذا يعنى أن الدين يشمل الجانب الروحى والجانب المادى فى ذات الوقت.
ولكن الجانب الروحى هو الأساس الذى يتم فيه تسخير المادى لصالح الروحى، حتى يحدث التوازن الإنسانى فى الحياة وما بعد الحياة، لذلك نرى أن النصوص الدينية تحمل الجانب الروحى الإيمانى بالدين ومقاصد الأديان العليا التى لا تتناقض بين دين ودين آخر.
فى الوقت الذى يشمل فيه النص جوانب أخرى مع الروحى، مثل الحياة الاجتماعية "العادات والتقاليد" والعسكرية "الحروب والفتوحات" والاقتصادية.. إلخ.
فهذه النصوص غير الروحية هى نصوص زمانية ومكانية تخص الزمان والمكان والبشر فى ذات التوقيت الذى نزل فيه الدين فى منطقة جغرافية بعينها ولشعب له عاداته وتقاليده، فإذا توافقت هذه النصوص وتلك الممارسات مع الواقع المعيش الآن فلا مانع بالطبع، لكن إذا تناقصت واختلفت، فمن الطبيعى أن نطور هذا الفكر الدينى حتى يتواءم ويتوافق مع الواقع المعيش "فقه الواقع".
هنا التمسك الحرفى والنقلى بتلك النصوص حول وتحول الدين إلى شىء موروث يحمل الجوانب المادية ويبتعد عن الجوانب الروحية والإيمانية للدين، خاصة، وهذا هو الأهم، إذا أضفينا صفة المقدس على هذه النصوص فيحدث خلط بين المقدس وغير المقدس وكله باسم الدين واستغلالًا للعاطفة الدينية.
وهذا الخلط يعنى أن الافتخار والانتساب للمادى الموروث يطغى على الروحى الذى طريقه الوحيد والأهم هو الإيمان الحقيقى التابع للروح، والذى طريقه العقل والبحث والمقارنة الموضوعية البعيدة عن الصراع الدينى والتدين الشكلى الذى يحول الدين إلى صراع طائفى بدلًا من قبول الآخر، الذى هو متعدد حسب مقاصد الله فى هذا التعدد والخاضع للمشيئة الإلهية.
ولذا فالإشكالية هنا، وعندما يتحول الدين والإيمان إلى موروث بالمفهوم الاجتماعى والقبلى، هنا يبرر الدفاع عن الدين فى الإطار الاجتماعى والقبلى فى مواجهة الآخر الدينى تصورا أن هذا الدفاع وتلك القناعة هى الدفاع عن الدين "مثل الدفاع عن الميراث فى مواجهة من يهددون هذا الميراث".
ناسين ومتناسين أن الدين له صاحبه الذى يدافع عنه وهو الله سبحانه وتعالى وليس البشر، الذين حولوا الدين إلى تدين شكلى أدى إلى أن أصبح هذا التدين تجارة رائجة وعلى كل المستويات باسم الدين والدين منهم براء، وللأسف هذا الاتجار أصاب الجميع واستملحه الجميع مؤسسات وأفرادا وجماعات وكله باسم الدين واستغلالا للدين.
وهذا ومنذ البداية التى وجدت فيها الأديان بكل مسمياتها ومعها من يسمون برجال الدين سواء كان مسموحًا لهم هذا المسمى أو غير موجود هذا المسمى، ولكن تم إيجاده لصالح هؤلاء.
الدين يا سادة والعقيدة الدينية لا تستند وفقط على التوريث، ولكن على البحث وإعمال العقل والمقارنة التى تؤكد صحيح الإيمان فى الوقت الذى يجب أن نقبل الآخر الدينى وغير الدينى لأنها إرادة الله، وهو الذى سيحاسب ولا أحد غيره.
حفظ الله مصر وشعبها العظيم متوافقًا وموحدًا ومؤمنًا "كل واحد بدينه".