رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صالح البحر: أحمل نهايتى معى دائما وعلى التجربة الكتابية أن تؤكد ذلك أو تنفيه

محمد صالح البحر
محمد صالح البحر

نهاية العمل الأدبي أو ما يمكن أن نسميه إذا جاز التعبير "القفلة"، سواء في القصة القصيرة أو الرواية، أمر شديد الأهمية للكاتب والمبدع، وهو ما يطرح السؤال، هل نهاية العمل الأدبي تكون مسبقة في ذهن الكاتب، أم أنها تتغير من حين لأخر، أم أن سير السرد وحبكته، ومصائر شخصيات العمل الأدبي وموضوعه هي التي تفرض هذه النهاية؟ وغيرها مما يخص هذه الجزئية شديدة الأهمية في العمل الإبداعي الكتابي.

وفي هذا الصدد قال الكاتب محمد صالح البحر لــ"الدستور": لطالما آمنتُ بأهمية النهايات في الحياة، إنها البصمة التي تتركها من خلفك ليذكرك بها كل شيء، والإشارة التي تدل على مصيرك من بعد، فتزيد من عمق البصمة التي تركتها، وبالتالي تزيد من عمق وجودك في ذاكرة الأشياء، حتى يصير وجودا أبديا، ولأن الإبداع حياة فقد امتلكتْ نهايات القصص والروايات عندي ذات الأهمية، وذات الإيمان بأنها آخر ما يبقى في ذاكرة القارئ بعد الانتهاء من عملية القراءة، وعليها أن تكون بقوة البصمة، وعمقها الذي يحفر في وعيه ليُحقق أبديته الخالدة.

وأوضح "صالح البحر": غير أن الإبداع مراوغ، ومن المستحيل أن يركن إلى نمط ثابت، أو قالب تم تحديده بشكل مسبق، لذلك كان عليّ أن أجتهد كثيرا كي أحقق ذلك التوازن الصعب، بين الحرص على قوة النهاية، كجزء أصيل من قوة النص الكلية، ومراوغة الإبداع ونزوعه باتجاه الحرية، بداية لا يمكن لأي مبدع أن يدخل في رحاب العمل الإبداعي دون تخطيط، على الأقل سيحمل معه فكرته، دافع الكتابة الأول والقوي، ووعيها المكتمل الواضح في ذهنه من البدء إلى المنتهي، أنا إذن كمبدع أحمل نهايتي معي دائما، وعلى التجربة الكتابية أن تؤكد ذلك، أو تنفيه وتنحرف عنه بحسب مجريات الأحداث، وقوة حضور الشخصيات، ونضوج الفكرة في مرور الوقت، وسطوة اللاوعي المصاحب لعملية الكتابة، وللحق فإن حجم الانحرافات والنفي غالبا ما يكون أقوى بكثير، خصوصا في كتابة الرواية، التي تستغرق وقتا طويلا، يسمح للأفكار والشخصيات والأحداث بعمليات لا متناهية من تقليب التُربة، وتجربة السُبل، كي تصل إلى الوجه الأقرب لحد الكمال.

هذا الحق أثبتته لي الكثير من التجارب، حتى صار جزءا من طقوس الكتابة عندي، فالقصص القصيرة دائما ما تكتمل على ذات الشكل الذي وردتْ به أول الكتابة، بعكس الروايات التي أدخلها مسلحا فقط بوعي الفكرة، ووميضها الكاشف، تاركا للأحداث والشخصيات وقرون استشعار اللاوعي داخلي تحديد كل شيء من بعد، حتى النهاية، فالشيطان في "موت وردة" انتصر بقوة غوايته لآدم وفؤاد وحياة، وإسماعيل في "حقيبة الرسول" انسلخ بقوة السرد من حكاية أبيه، ليعثر على الحياة التي تخصه، ومحمد في "نصف مسافة" أنقذه تراكم الوعي بأحداث الثورة من السقوط في خطئها الوجداني الحالم، والوليد في "حتى يجد الأسود منْ يحبه" اختار الأسطورة طواعية، كبديل حي عن حياة ممتلئة بالموت والظلام والكُره.
الرواية شرايين موغلة في عمق الجسد، لا يمكن سبر أغوارها إلا بضوء أنبوبة القسطرة حين يلج داخلها.