رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموقف

عبدالعزيز باشا فهمي، وزير الحقانية، هذا الرجل أحبه، لـ إني أحب الناس دي، اللي هي بـ تبان في المواقف، وتعمل اللي هي مقتنعة بيه، القصة مش قضيته صح ولا غلط، لـ إنه الحاجات نسبية، الفكرة هنا في إنك تقول كلمتك، ومتفكرش في الحسابات، من غير ما تستنى حمد ولا شكرانية. يعني ناس عايشة بـ دماغها لـ دماغها، واللي يحصل يحصل.
الحكاية بـ اختصار إنه لما صدر كتاب الإسلام وأصول الحكم، بتاع علي عبدالرازق، علماء الأزهر اجتمعوا، بـ رياسة شيخ الأزهر، وصدر عنهم الآتى: "حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر، بإجماع أربعة وعشرين معنا من هيئة كبار العلماء، بإخراج الشيخ علي عبدالرازق أحد علماء الأزهر والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الشرعية، مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" من زمرة العلماء".
لـ الوهلة الأولى لا تظهر خطورة القرار، اللي في ظاهره حاجة بسيطة، وهنا ييجي السؤال: طب ولما يخرج من زمرة العلماء، يحصل له إيه يعني؟
قال لك: "ويترتب على الحكم المذكور محو اسم المحكوم عليه من سجلات الجامع الأزهر، والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة، وقطع مرتباته في أي جهة كانت، وعدم أهليته للقيام بأية وظيفة عمومية، دينية كانت أو غير دينية".
يعنى سفلتة من كل النواحي، الحكاية مش مجرد خلاف فكري، دا قطع عيش، ومرمطة، وقلة قيمة، وحاجة ممكن تكون أكبر من السجن. تخيل لما يتقطع عليه الميه والنور من كل النواحي والاتجاهات، حصار مادي ومعنوي فوق احتمال البشر.
عشان تعرف ليه الشراسة دي في القرار، أحب أقول لـ حضرتك إن الملك فؤاد شخصيًا كان ضد الكتاب وصاحبه، لـ إن الكتاب دا ضرب له كرسى فى كلوب الخلافة، اللى كان بـ يسعى لها وقتها، بعد ما أتاتورك لغى الخلافة الإسلامية، فـ كان فيه تطلع عند حكام كتير، أولهم ملك مصر، إنه يبقى الخليفة.
فين عبدالعزيز فهمي؟ وظيفيًا، على عبدالرازق كان تابع لـ وزارة الحقانية، كان طبيعى إن القرار يروح لـ الوزير، يوقع عليه، ويفصل الراجل من القضاء، ويجرده من كل وظايفه.
الكتاب ده اللي صدر 1925 كان عامل أزمة طبعًا في القطر كله، مكانش حاجة سر يعني، وقتها روس كبيرة طاطت فى العاصفة، واعتبروها ما تخصهمش أوي، أو متخصمهش خالص، يمكن أولهم سعد زغلول، اللي حتى ماكتفاش بـ تجاهل الموضوع، لأ، دا اشترك في حملة الهجوم على الكتاب زيه زي غيره.
بس عبدالعزيز باشا رفض يوقع القرار، وقال مبدئيًا: "أحضرت هذا الكتاب وقرأته مرة أخرى، فلم أجد فيه أدنى فكرة يؤاخذ عليها مؤلفه "وكتب فى رفضه لـ قرار التشريد: "ثقل على ذمتي أن أنفذ هذا الحكم، الذى هو ذاته باطل، لصدوره من هيئة غير مختصة بالقضاء، وفي جريمة الخطأ فى الرأي، من عالم مسلم يشيد بالإسلام، وكل ما في الأمر أن من يتهمونه يتأولون فى أقواله، ويولدون منها تهمًا ما أنزل الله بها من سلطان".
حصلت طبعًا أزمة، وكانت نتيجتها استقالة عبدالعزيز باشا من الوزارة، ثم استقالت الوزارة كلها.
الوزارة راحت، وكله راح، بس الموقف فضل، والكتاب فضل، أما الخلافة، فـ هي فين دلوقتي؟