رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد إبراهيم طه: النهاية تستغرق الوقت الأكبر في عملية خلق الرواية

محمد إبراهيم طه
محمد إبراهيم طه

نهاية العمل الأدبي أو ما يمكن أن نسميه إذا جاز التعبير "القفلة"، سواء في القصة القصيرة أو الرواية، أمر شديد الأهمية للكاتب والمبدع، وهو ما يطرح السؤال، هل نهاية العمل الأدبي تكون مسبقة في ذهن الكاتب، أم أنها تتغير من حين لأخر، أم أن سير السرد وحبكته، ومصائر شخصيات العمل الأدبي وموضوعه هي التي تفرض هذه النهاية؟ وغيرها مما يخص هذه الجزئية شديدة الأهمية في العمل الإبداعي الكتابي.

وفي هذا الصدد قال الكاتب محمد إبراهيم طه: "من أهم الأركان الأساسية في كتابة الرواية كيف تبدأ وكيف تنتهي، ولابد أن تكون النقطتان واضحتين، منذ البداية، وما لم تكونا كذلك  في ذهن الكاتب، ستظل الرواية كلها غائمة عند القارئ، وستظل كصورة مهزوزة، غائمة الملامح، والنهاية هي التي تستغرق الوقت الأكبر في عملية خلق الرواية، لأنها ليست المصير والمآل الذي تنتهي إليه الشخوص والحدث والعالم فحسب، بل هي الخيوط الخفية من الضوء الخافت أو الرائحة التي تتسلل  من جنبات العمل الروائي وتتجه نحو النهاية، لتجعل منها النقطة الأوضح في الرواية، وجوهر الرسالة التي يحملها العمل الروائي، واضحة وقابلة في نفس الوقت للتأويل، ليست مغلقة لدرجة القسر، ولا مفتوحة لدرجة التيه، وما لم تحتل النهاية هذه الدرجة من الأهمية لدى الكاتب، فإنها تأتي  فاترة أو مفروضة من الخارج أو غير مؤثرة، أو منقطعة الصلة تماما بمجريات العمل الروائي.

وأوضح "طه": في الأبنية الدائرية التي أفضلها على المستوى الشخصي، تكون لحظة البداية هي نفسها لحظة النهاية، عندها تغلق الدائرة، فيتحقق الاكتمال للرواية، وفي "باب الدنيا" لا يعرف الراوي الذي يقف أمام باب مقبرة صديقه إذا ما كان خارجا من الدنيا أم داخلا إليها، ولم تخبره سلمى في "دموع الإبل" أن باب الدخول هو نفسه باب الخروج، وما بينهما هو عالم الرواية المتسع.

وفي روايتي الأخيرة "شيطان الخضر" لم يكن البناء دائريا، ولم يكن مشهد النهاية محددا في ذهني فحسب، بل كان مشهدا يطارد الخضر طوال الرواية، فكلما حدق في الأفق رأى مزلقانا، ودراجة بخارية مهشمة وجثة مزقها القطار لرجل في الثلاثين وناس كثيرون يتحلقون حوله ولا أثر لامرأة كانت خلفه، فيصير عبور المزلقان إلى الجهة الأخرى بالنسبة إليه  قدرا لا يمكن الهروب منه، ومع بلوغه  الثلاثين يجد نفسه واقفا أمام مزلقان غريب، بلا حاجز يؤكد إذا كان مفتوحا أم مغلقا، وبلا قطارات، والناس يعبرون بلا حوادث، فيبرز له الحارس فجأة ويسأله إذا ما كان هو الوحيد الذي يقف، فيومئ برأسه: "أومأت برأسي، فقال إنني رجل محترم، وملتزم، والهمج وحدهم الذين يعبرون بلا نظام، ماذا لو صبر الواحد منهم عشر دقائق؟ حدقتُ في وجهه فبدا مستاء من جاريَّ الَّذَيْنِ عبرا، وانتبهتُ إلى من ينقر كتفي من الخلف، التفتُّ فوجدتها "صبا"، حاولت أن أثنيها وأنا أمسك بمقود الياماها الزرقاء وأقول: يا صبا إنني لم أتعلم القيادة بعد، لكنها أمسكت كتفيَّ بقبضتيها وقفزت خلفي بالجنب ثم أحاطت خصري بذراعها الأيمن وتشبثتْ، فيما الحارس يحدق في الساعة بعينين دامعتين، حتى إذا أتت من بعيد صافرة طويلة من مقام صبا، أعاد الساعة إلى جيبه وأشار لي بالعبور، فعبرت!"