رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيلم «الإنس والنمس» التدمير الذاتى لفن السينما

 

تصدر فيلم «الإنس والنمس» للمخرج شريف عرفة والفنان محمد هنيدى إيرادات الموسم الحالى بدور العرض؛ ليحقق ما يقرب من ٣٩ مليون جنيه، يعكس حالة من الاستسهال والتواطؤ بين صناع السينما والجمهور، حالة من تغييب الوعى والمنطق، قد يكون مقبولًا أن يرفع البعض شعار «الضحك للضحك»، لكن هذا الفيلم يتجاوز منطق الضحك إلى الهلس، عندما تقدم الحياة الأفلام على أنها جلسة مساطيل فى غرزة حشيش حيث لا فكرة ولا معنى ولا رابط. 

مجموعة من المشاهد المتتابعة، التى لا تؤدى لهدف أو مغزى.. يبدأ الاستسهال من اختيار الشخصية الرئيسية وهى شخصية «تحسين» التى يتم تقديمها على أنه شاب غير متزوج يعمل فى إحدى دور الملاهى، وبالتحديد فى بيت الرعب، ما زال يكوّن نفسه، فمن يصدق أن هنيدى «٥٦ سنة» ما زال يقوم بدور الشاب الذى يكوّن نفسه ويبحث عن عروسة؟.

يبدأ الفيلم مع مشهد طويل لمسئولة التراخيص فى الحى، التى تعانى من حرمان جنسى، يجعلها تتحرش بتحسين، داخل بيت الرعب، فى مشهد سقيم، لا يسهم فى بناء أو تطور الفيلم، مجرد اسكتش لاستجلاب بعض الإفيهات والضحك، وسرعان ما سنجد هذه الحركة العصبية التى تقوم بها الممثلة محل تقليد على مواقع التواصل.

وفى بيت «تحسين» نتعرف على عائلته وتكون البداية فى واحد من أسوأ المشاهد فى الفيلم حيث يدخل «تحسين» الحمام، لقضاء حاجته، فيدخل عليه زوج أخته ويخلع ملابسه ليستحم، وتدخل أخته ثم أمه ويتشاجر الجميع فى الحمام.. فى مشهد يؤسس لعدم اللياقة وانعدام الإحساس، وهدم لأى قيمة لمفهوم الخصوصية، فحتى فى العشوائيات وفى الشقق المزدحمة والغرف المشتركة لا يتعامل الناس بهذا القدر من الاستخفاف والتباسط مع استخدام الحمام، وقد كان استخدام الحمام فى عائلة كثيرة العدد محلًا للضحك فى العديد من الأفلام، ولكن ليس بمثل هذا القبح والفجاجة.

وتتوالى الاسكتشات فيصاب «تحسين» فى حادثة، ويتعرف على نارمين التى نعرف أنها من عالم الجن، وليس أى جن، إنها سليلة عائلة النمس التى تبدو أقرب ما تكون للمافيا الجنيّة، مع استدعاءات واضحة لأفلام العصابات والأب الروحى، مع الفارق الكلى فى المعنى، ومع انتقال «تحسين» للتعرف على عائلة نارمين يتضح أن مصدر قصة الفيلم هو فيلم: hotel Transylvania «فندق ترانسلفانيا» (٢٠١٢).

يتعامل الفيلم مع فكرة الجن على أنها حقيقة، فلا يوجد اندهاش أو صراع نفسى أو فكرى، أو مسائل تتعلق بأفكار الشعوذة والخرافات، الجن أصبح حقيقة مسلمة نتعامل معها ومع عالمها بأريحية، إنها الفانتازيا التى أصبحت الدجاجة التى تبيض ذهبًا فى هوليوود، فلماذا لا تكمل السينما المصرية مسيرتها فى تلمس خطى السينما الأمريكية؟ لا يوجد ما يمنع، بشرط أن نبنى عالمًا فانتازيًا له قواعده وقوانينه الخاصة ويتم احترام هذه القوانين، وليس مجرد تقديم شخصيات بالغة الطول، أو ذات ذيل أو متحولة كالزومبى. 

ويبقى السؤال الأساسى: لماذا «تحسين» الغبى، الجبان، الأبله، الفاشل، معدوم القيمة؟ لماذا الحرص على التزاوج بين عائلة النمس والإنس؟ أى صفات جينية بشرية تريد أن تنتقل لهم والبشر بالنسبة لهم الأضعف؟.. وطول الفيلم يسخرون من الإنس ومن غبائهم؟ وكيف يكون هذا التزاوج وسيلة للحفاظ على بقائها وتواجدها؟ 

وهذه المحاولة لا تقتصر على حالة «تحسين»، بل لها امتداد تاريخى سابق مع محاولة الأم النمسية «آسيا» إغواء والد «تحسين» قبل سنوات. 

يحمل الفيلم تصنيفًا رقابيًا عامًا، وهو تصنيف يسمح بدخول الأطفال مع ذويهم للعرض، ولكن هذا الفيلم بما يحويه من ألفاظ سيئة وإيحاءات جنسية لا يناسب الأطفال، أو أننا سنغرس فى لا وعى أطفالنا هذا القبح والابتذال، ويعتمد هنيدى مع جمهوره فى دعايته للفيلم على أنه يناسب كل أفراد الأسرة، فأى أسرة؟ مع كم الشتائم والأسماء الكريهة، واستخدام تعبير التلقيح بديلًا للزواج أو إشارة واضحة للفعل الجنسى، وأن يجلس أفراد أسرة النمس لحضور العملية. 

إن أية كتابة عن التصوير أو الديكور أو الأزياء أو الجرافيك هى من قبيل رش «الترتر» على الكيكة الفاسدة. 

وما أود أن أستفسر عنه حقًا: هل هذا هو مستوى وعى المخرج شريف عرفة؟ 

إذا كانت الإجابة: لا. فما الذى يجبر شريف عرفة على تقديم هذا الفيلم، وهو أحد المهمين فى صناعة السينما المصرية؟ 

إذا كانت: نعم. فعلينا السلامة. 

ولا جدوى من الحديث عن دور الفن فى الارتقاء بالذوق العام، وهنيئًا للمتشددين والرجعيين من قيام صناع السينما بتغييب وعى الجماهير وتحويلهم إلى قطيع فى انتظار إشارة.