رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة النمو السكانى.. هل تبدأ مصر فى وضع خطط للخروج منها؟

 

مشكلة السكان إحدى المشاكل الأساسية المرتبطة بالتقدم فى كثير من دول العالم الثالث، وعلى رأس هذه الدول مصر، وفى هذا الصدد هناك من يرى أن لها علاقة إيجابية بالنمو الاقتصادى بافتراض أن زيادة السكان تؤدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، وبالتالى زيادة فى عملية الإنتاج ودوران عجلة الاقتصاد.. هذه نظرة تبسيطية للموضوع، فيجب أولًا أن ينظر إلى المشكة، مشكلة زيادة السكان، على أنها قوة عمل منتجة تحتاج إلى إعداد جيد لكى تصبح مفيدة للعملية الإنتاجية، ومن يرون أن للزيادة السكانية علاقة سلبية بالنمو الاقتصادى، يؤكدون أنها تصبح عبئًا حقيقيًا على التنمية، لا سيما فى ظل محدودية الموارد.

وتجدر هنا الإشارة إلى وجود اختلاف بين مصطلح النمو السكانى، الذى يعنى أن عدد المواليد أكبر من عدد الوفيات بشكل متوازن، وبين مصطلح الزيادة السكانية ويعنى زيادة كبيرة فى عدد المواليد عن عدد الوفيات، مع عدم وجود توازن يقابله فى موارد الدولة.. وفى هذا الصدد يمكننا تخيل المشكلة من خلال مثال بسيط، وليكن أسرة مكونة من ٤ أطفال ودخل يساوى ٤٠٠٠ جنيه، فلو قمنا بتوزيع هذا المورد المالى على أفراد الأسرة فإن الأمر سيختلف عن أسرة مكونة من طفلين فقط، وهو بالطبع ما سوف يؤثر على جودة رأس المال البشرى كمنتج مجتمعى. 

تؤكد الدراسات الإحصائية أن العلاقة بين معدل النمو السكانى والنمو الاقتصادى تكون إيجابية فى حال أن معدل النمو السكانى يتراوح ما بين ١٪ و٢٪، أما إذا كان يتراوح ما بين ٢٪ و٤٪ فالعلاقة تكون سلبية.. ومن المؤسف أن مصر وفقًا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بلغ معدل النمو السكانى فيها كمتوسط سنوى ما يزيد على ٢.٦٪، وهو ما يحتاج فى مقابله إلى زيادة ثلاثة أضعاف معدل النمو كحد أدنى، أى تقريبًا يحتاج إلى ٧.٨٪ على الأقل، وهى نسبة بعيدة عن نسبة النمو الفعلى المتحقق. ومن ناحية أخرى، فإن أى ثمار للنمو لن تتجه إلى القطاعات الإنتاجية والتى تحتاج إليها مصر كاقتصاد ناشئ، بقدر ما قد تذهب إلى القطاعات الخدمية كمحاولة لتلبية الاحتياجات الأساسية.. لقد انتبهت مصر لمشكلة الزيادة السكانية منذ النصف الثانى من ستينيات القرن العشرين تقريبًا، بمُحاولة التصدى لها عبر مجموعة من الآليات المختلفة، ولكن كل هذه المحاولات لم تأتِ بالنتائج المطلوبة، بل ظلت المعدلات السكانية تشهد تزايدًا حتى أصبحت مصر الأولى عربيًا والثالثة إفريقيًا بعد نيجيريا وإثيوبيا عام ٢٠٢٠.. فى تقديرى أن استمرار الأزمة السكانية وتفاقمها وثيق الصلة بالموروث الدينى والثقافى، فبعض الأسر لا يهدأ لها بال حتى تنجب طفلًا ذكرًا، والبعض الآخر يعتقد أن نصرة الإسلام تكمن فى الكثرة، مما يعنى أن على الدولة المصرية أن تقوم بتجديد الخطاب الدينى والدعوى الخاصة بالمشكلة، وهو ما بدأ على نحو خجول فى بعض مناطق الريف، حيث تبث الدولة خطابًا دعويًا يحض على فهم مختلف لمفهوم الذرية سعيًا إلى التوازن بين عدد أفراد الأسرة وبين دخلها من أجل أن يحظى أبناؤها بحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل، حيث يصبحون قوة منتجة.. من المهم فى هذا الإطار أن نشير إلى البعدين الاقتصادى والاجتماعى المتمثلين فى اضطرار المواطنين من ذوى الدخل المنخفض إلى استخدام الأطفال كقوة عمل، كل هذه العوامل والملابسات لا تعمل إلا على إعادة إنتاج التخلف والفقر، وهى عوامل كما نرى تتداخل فيها الموروثات والمعتقدات الثقافية مع وضعية الفقر والحاجة.

تشير التقديرات إلى أنه فى آخر خمسين يومًا، فقط، زاد عدد السكان فى مصر ربع مليون نسمة، وهو أمر ينذر بالخطورة لأن لهذه المعدلات مردودًا اقتصاديًا سلبيًا على مستوى الضغط على سوق العمل، وهو ما تنتج عنه زيادة فى معروض قوة العمل عما هو متاح من فرص للتوظيف، وبالتالى زيادة فى معدلات البطالة والفقر، وهو ما يقود إلى انتشار الإرهاب، والتوتر الاجتماعى، فالفقراء والعاطلون عن العمل يمثلان دائمًا الحلقة الأضعف فى المجتمع فيما يخص الأفكار المتشددة.. تؤدى زيادة السكان أيضًا إلى تراجع فى الادخار والاستثمار، أى لا تتيح وجود إمكانية لتوفير رأسمال أولى من أجل التراكم، حيث إن العلاقة عكسية بين معدل النمو السكانى ومعدل الفرد من الدخل، وبقول آخر إننا فى حالة محدودية الموارد المالية مع وفرة من الموارد البشرية من الصعب أن تتحقق عمليات التنمية الشاملة التى تحتاج إلى عنصر بشرى فعال فى العملية الإنتاجية يمتلك الكفاءة والصحة الجيدة، وفى ظل ضغط الكثرة السكانية وحاجتها إلى الخدمات لا يمكن أن يحدث ذلك إلا فى نسبة قليلة قياسًا بعدد السكان، وتحديدًا على مستوى الأسر التى تمتلك قدرًا من الوعى يمكّنها من منح أبنائها تعليمًا جيدًا ليصبحوا أصحاب كفاءات وخبرات تتيح النمو، أى فى حالة أن تقوم الأسر من تلقاء نفسها بتنظيم النسل.

فى السنوات الأخيرة تكثف مصر محاولاتها لحل المشكلة عن طريق إعادة للتوزيع الجغرافى، والقيام ببعض الحملات مثل حملة «٢ كفاية»، مستهدفة من ذلك بحلول عام ٢٠٣٠ أن يكون عدد المواليد ٢ مليون نسمة. هذه المحاولات بالطبع محمودة وربما تأتى بثمارها على المديين المتوسط والطويل، وهو أمر يختلف عما كانت تتبناه الدولة من خطاب خجول يربط دعمها للأسر بالاقتصار على طفلين فقط فى ميزانية ٢٠١٨- ٢٠١٩، آن الأوان لتنفيذ ذلك بشكل أو بآخر، أو سن قوانين جديدة ملزمة بعدد معين من الأطفال حتى وإن كان ذلك القانون لفترة محددة، والاستفادة من خطط الدول التى عانت من المشكلة مثل الصين.

فالأمر أصبح يتعلق بتحقيق أمن مجتمعى على المستويين السياسى والاقتصادى.