رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفقر الروحى وصكوك الغفران

عبر كل العصور والأزمان، اجتمع أهل التشدد وأدعياء امتلاك الفهم الصحيح لآيات الأديان، ومَن ارتدوا أردية التدين القشرى، وسماسرة الاتجار بالأديان.. بل وقرروا على قلب رجل واحد أن الناس فى أزمانهم يعانون حالة فقر روحى وجدب معرفى وتراجع قيمى وأخلاقى، وعليه فلكل داء دواء للتمكين من الاقتراب من عتبات الجنة ومفاتيح أبوابها.

منذ زمن طرحوا ما سُمى صكوك الغفران «بمفهوم دفع الأموال فى مقابل غفران الخطايا»، وحتى ما نراه من صور وأشكال أخرى نتابعها فى زماننا، كالحصول على الدعوات من أهل البركات أو دفع النذور لتجاوز الكوارث أو بناء بيوت للعبادة وغيرها من أشكال مختلفة نراها فى الموالد والاحتفالات الدينية. 

وعليه، لا بد من التحول من شكل الخطاب الدينى العاطفى والإعجازى والعلاجى إلى خطاب إنسانى واقعى يستوعب احتياجات الناس وهمومهم الملحة والآنية التى من شأنها أن تسهم فى إعادة الثقة بالخطاب الدينى الصحيح المطلوب، والارتقاء بمضمون الإعلام الدينى.

وهنا يذكرنا المفكر الأردنى «على الحافى» بضحايا الخطاب الدينى المتطرف، وبما حدث مع المخرج السينمائى العربى مصطفى العقاد، الذى أخرج فيلم الرسالة، والذى يُعدُّ من أعظم الأعمال السينمائية التى تعبر عن المضامين الدينية فى الإسلام. والمحزن أن نهاية العقاد كانت مع ضحايا تفجيرات عمان الإرهابية عام ٢٠٠٥، والتى أعلن تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين مسئوليته عنها. وليس من باب المصادفة أن تكون المرجعية الدينية التى يتبعها هؤلاء الغلاة تحرِّم السينما والفن والرسم والموسيقى والمسرح، وترى فيها رذيلة وانحرافًا عن الإسلام!

وهو ما تكرر عندما احتشد عدد من أهل التشدد الدينى المسيحى للتظاهر رفضًا لعرض فيلم «بحب السيما» لأسباب قالوا إنها تتعلق بتشويه الديانة المسيحية والكنيسة المصرية وكهنتها، دون تعيين واقعى لملامح ذلك التشوه، وأخذتهم حمية الغضب لإغفال الكثير من القيم والمفاهيم الرائعة التى تضمنتها الجمل الحوارية من قبل الطفل بطل الفيلم والأب. 

لقد قدم الفيلم العديد من القيم التربوية والروحية والسياسية والاجتماعية لم يعوا قدرها للأسف، وهنا كان ينبغى للإعلام الدينى المستنير أن يساير ويدعم أهل الإبداع حتى لا يُمنع عرض الفيلم، ولكن للأسف كانت تبعية مؤسسات الإعلام الدينى للمؤسسات الدينية قد حالت دون ذلك.. ولكن فى النهاية يتم عرض الفيلم الآن على الكثير من الشاشات وحصول مبدعيه على العديد من الجوائز!!

طالعت مؤخرًا بعض ما جاء فى بحث نُشر منذ سنوات، وأرى أهمية إعادة طرح بعض عناوينه، وكان قد قام به أحد مراكز الأبحاث فى الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان «المسيحية فى أزمة»، ويقول الدكتور مكرم نجيب، رئيس مجلس كلية اللاهوت الإنجيلية، عبر أحد المواقع الإلكترونية، إن هذا البحث قام بحصر خطر الفضائيات فى عشر نقاط بعناوين:

- تحويل المسيحية إلى وجبات سريعة.

- تحويل الحياة إلى مدينة فاضلة غير موجودة.

- تحويل الحق إلى أساطير وشعوذة.

- تحويل الشيطان إلى بطل لا يُقهر.

- تحويل الإيمان إلى أمور محسوسة.

- تحويل الإنسان إلى آلة.

- تحويل العبادة إلى تسلية.

- تحويل الرسالة إلى إثارة حساسيات وفتن.

- تحويل الكنيسة إلى أفراد منعزلين.

- تحويل الخدمة الدينية إلى مشروع تجارى.          

وقد نتفق أو نختلف مع بعض تلك النقاط ومدلولاتها ومحاولة تعميمها غير المنطقى، ولكننى أرى أهمية أن تلعب مؤسساتنا الدينية دورها فى تصويب ما يصدر عن وسائل إعلامها المباشرة من خطابات ورسائل ينبغى تدقيقها ومراجعتها وقراءة أبعادها، والتصدى لمعالجتها، وبيان أخطاء ما يصدر عن وسائل الإعلام الخاصة التجارية عبر اختيار رموز صالحة لتمثيل تلك المؤسسات. 

يبدو أنه لم تعد الأحزاب الدينية هى فقط التى يجب أن نرفض قيامها، بعد أن داهمتنا فضائيات ومجلات وكتب ومواقع إلكترونية وغيرها من الوسائط الإعلامية والثقافية التى تمت إقامتها على أساس دينى، بتنا نأمل ألا يكون للكثير منها أى وجود فى حياتنا.