رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفغانستان ونحن

ستظل الأسئلة المعلومة والمدركة والحائرة تنتظر إجابات، وإن كانت الأفعال والنتائج السريعة تحققت باستيلاء طالبان على عموم أفغانستان وبهذه السرعة التى مرغت وجه أمريكا فى التراب.
تعلن هذه النتائج وذلك الاستيلاء عن عدة أشياء: أولًا أن الانسحاب الأمريكى المهين لا ولن يكون أول ولا آخر مرة، فقبله هزيمته فى فيتنام والصومال ولبنان والعراق، وهذا يعنى ويؤكد أن الشعارات الكاذبة التى تعلنها أمريكا للعالم والتى تغطى بها على عمالة عملائها فى هذه البلاد، هى شعارات كاذبة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والأهم هو استنزاف وسحق والسيطرة على هذه الدولة فى إطار صراع دولى يأخذ أشكال وأساليب متعددة حسب الظروف ووفق التحالفات الدولية المتغيرة والمتناقضة.
ثانيًا: أن أمريكا ما زالت وستظل تتبنى ما يسمى بتحقيق الفوضى غير الخلاقة فى الشرق الأوسط والكبير مع وضع نظرية صراع الحضارات موضع التطبيق والأهم بيد أبناء تلك الدول وليس بيد أمريكا حتى وإن دفعت بعض الثمن.
ثالثًا: إذا كانت أمريكا هى التى ساعدت فى إيجاد تنظيم القاعدة بصورة أو بأخرى (ولهذه الأسباب) ثم انقلب السحر على الساحر بعد أحداث ١١ سبتمبر  وقتل ابن لادن، هى نفس السياسة التى جعلت أمريكا تعطى هذه الفرصة الذهبية لاستيلاء طالبان على أفغانستان، فلولا أحداث سبتمبر  ما كانت أمريكا تدخلت لمواجهة طالبان على اعتبارها قد احتضنت القاعدة.
رابعًا: إذا كانت الحرب الباردة هى التى جعلت أمريكا تهندس لهزيمة السوفيت فى أفغانستان بمساعدة دول عربية حينها، الآن ستكون أفغانستان ساحة صراع بين القوى الكبرى جميعها ودول المنطقة حيث موقعها الاستراتيجى بالنسبة لجنوب وشرق وغرب آسيا، هذا على المستوى الدولى، أما على المستوى الإسلامى والعربى وهذا هو الأهم فما حدث سيكون له تداعيات ونتائج يجب رصدها.
أولًا: حكم طالبان لأفغانستان هو إعطاء جرعة أكسجين للتنظيمات الإرهابية التى تأخذ اسم الإسلام زورًا وهو منها برىء، وفى كل الأحوال ستكون أفغانستان موضع ترحيب لهذه التنظيمات خاصة التى فشلت تجاربها فى حكم الدول التى اغتصبت الحكم فيها مثل مصر والسودان وتونس.
ثانيًا: وصول طالبان سيلاقى ترحيبا من هذه التنظيمات إضافة إلى مريديها والمتعاملين معها ولا نبالغ إذا قلنا ومن بعض الجماهير المسلمة التى تحركها العاطفة الدينية (وهذا طبيعى) تحت فكرة استملاح أن تكون الدولة مسلمة وتحكم باسم الدين والأهم أنها ستطبق الشريعة الإسلامية.
ثالثًا: سيكون هناك حالة من حالات التعاطف التى ستكون إضافة معنوية لهذه التنظيمات، فلابد أن ننتبه جيدًا أن ما حدث ليس حبًا فى طالبان أو غيرها، ولكنه هو الاستمرار فى تشويه صورة الإسلام وصورة مسلمين حتى تؤجج نار الإسلاموفوبيا ضد الإسلام والمسلمين وحتى يكون هناك صراع حضارات بل صراع أديان ستكون أمريكا وغيرها من دول الصراع الدولى الآن هم الرابحين وليس سواهم! وبصريح العبارة فما حدث هناك أعتبره انتصارًا لهذه التنظيمات التى تتمسح فى الدين خاصة ضد أمريكا التى يقولون عنها إنها الشيطان الأكبر فى الوقت الذى لا تنقطع فيه العلاقات والتفاهمات والمساعدات بينهم وبين أمريكا.
ودليل ذلك الحوارات التى بدأت بين طالبان وأمريكا منذ فبراير ٢٠٢٠ فى الدوحة وحتى الآن وبعد سيطرة طالبان على الحكم سواء كان ذلك فى ظل حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين.
فهل ندرك هذه الأمور ولا نكون دائمًا الوقود الذى يشعلون به النار ونكون دائمًا المفعول بنا؟ وإلى متى سنكون الفاعل دفاعًا عن حقنا فى دولنا ومقدراتنا؟ القضية تحتاج إلى تضافر الجميع وعلى كل المستويات دفاعًا عن أوطاننا من هذه الغزوات التى تتكرر بأسماء مختلفة والعملاء مختلفين فى الاسم ولكن هم نفس النوعية وذات التوجه.
هنا لا يعنينا إذا كانت طالبان ستلتزم بأوامر أمريكا والغرب وتتغير، فمن المعروف أن هذه التنظيمات تجيد التكتيك والتغيير والتقية للوصول لأهدافهم تحت أى مسمى وعند أى ظروف. حمى الله مصر والعرب والمسلمين من هذه الأخطار الإرهابية والأمريكية.