رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزة سلطان: الصمت النقدي الذي يعاني منه الكتاب مسؤولية مشتركة (حوار)

عزة سلطان
عزة سلطان

عزة سلطان واحدة من أكثر الكاتبات المصريات ممارسة للكتابة عبر العديد من فنونها بدءًا من القصة القصيرة مرورًا بالرواية والشعر وصولاً إلى السينما.

تشغل كتاباتها خاصة تلك المتعلقة بطرح القضايا المسكوت عنها ردود فعل متباينة، البعض يصفها بالجراة وآخرون يجدون فيما تنجزه صوتهم المطموس والمقوض بفعل سلطات الاجتماعية، لاشك في أن كتابات عزة سلطان في مختلف فنون الكتابة تترك بصمتها وتضع قراءها دائما  يفكرون بصوت عال عبر طرح اسئلتهم هذا يظهر بوضوح في كتابه قبل الأخير الذي جاء بعنوان أن تحبي رجلا متزوجا ليكشف المخبوء  والمسكوت عنه في مجتمعتنا.

received_369818551261319

تتحدث عزة عن الأجناس الأدبية وكيف اسهمت ممارستها للكتابة في مختلف الفنون في تشكيل بنية الكتابة لديها، وعن الفجوة والمسافة بين النقد والإبداع والصمت النقدي الذي يصل أحيانا لتجاهل أجيال، وإلى نص الحوار:

◘ هل الانتقال من الكتابة إلى الرواية ومنها للسينما يسمح بأن يكون شرط للتجديد والتنوع؟

تغيير الجنس الأدبي ليس بالضرورة شرط تجديد، لكن هناك موضوعات تفرض شكل جنسها، حين تظهر فكرة في عقلي لا أفكر هذه قصة أم رواية، فقط أبدأ بالكتابة ويظهر من ذلك كيف ستكون.

◘ هل الجمع بين كل هذه الفنون خلق كتابة عابرة للنوع؟

أسهمت الأنواع المختلفة في بنية كتابتي بشكل عام، أضفت علاقتي بالسينما شكلًا مختلفًا للنهايات، وجعلتني القصة القصيرة أميل إلى الاختزال والجملة القصيرة، في كل نص أكتبه يمكن للقارئ أن يجد الأجناس الأخرى، وهو ما أجده ميزة في الكتابة.

◘ هل مازالت المرأة العربية يتم مطاردتها وإلصاق ما تكتبه على سيرتها الشخصية ومتى يمكن للكاتبة الخروج من ذلك المأزق؟

للأسف يتم التعامل مع الكاتب بشكل عام أنه لابد يكتب عن نفسه، لكن الأمر يتحول إلى وصم إذا كانت الكاتبة امرأة، ففكرة أن المؤلف يتخيل غير واردة إن كانت المؤلفة امرأة، وهو مأزق نقع جميعًا ككاتبات فيه، ولا مخرج منه إلا بالتغير في المجتمع حين يتم الفصل بين الكاتب وما يكتبه، ويتم التعامل مع النص بعيد عن جندر مؤلفه، وهو أمر أظن أننا أمامنا وقتًا طويل حتى يحدث.

received_261266965623780

◘ عطفًا على السؤال. السابق هل كسر التابوهات والخروج عن المألوف والسائد ادخلك في هذا المأزق؟

لدى مآزق عِدة بسبب كتاباتي، فهناك أحكام يطلقها البعض على شخصي لمجرد أن يقرأ نصًا خارج عن المألوف لكتابة امرأة، بل يذهب البعض للتطاول اللفظي، هذا الفخ الذي وقعت فيه نظرًا لطريقة التعامل مع الكاتبات، وضعني في قالب صارم جدًا حتى يقتنع القارئ أنني لست البطلة وإنما فقط المؤلفة، وهو أمر شديد الصعوبة في الحياة، إذا تكون مطالب طيلة الوقت بإعلان مواقفك وقناعاتك حتى لا يخلط المحيطون بك والقراء بين شخصيتك ومواقف أبطال حكاياتك.

◘ كيف ترى المسافة بين النقد والإبداع ومتي يمكن تجاوز تلك الفجوة بينهما؟

تعاني الساحة النقدية بشكل عام، هناك إشكاليات عديدة بدءًا من كون النقد عمل تطوعي بشكل شبه كامل، مرورًا بقلة المنافذ المعنية بالنقد الجاد، وتكلفة اقتناء الكتب، كلها أمور لا يمكن أن نغلف النظر عنها، فالناقد عليه أن يشتري بنفسه العديد من الإصدارات ليقرأ ويكتب عن ما يراه منها، ثم يبحث عن مكان يقبل النشر، إنها عملية صعبة جدًا، ولا يمكن أن نطالب ناقد أن يهاجم مؤلف أهداه عمله، والنقد علاقته بالابداع علاقة طردية، كلما قويت وتنوعت الحركة النقدية قوي الابداع، ولا أظن أن بينهما فجوة بالعكس أجدهما حالة متكاملة ويدل كل منهما على الآخر، لكننا  قبل ان نُهاجم أو ندين النقاد، علينا أن ننظر ونرى واقعًا حقيقيًا يُكابده النقاد، ونحن بحاجة ماسة لجهة يكون مشروعها النقد الأدبي والفني ونقاده.

◘ هل يمكن وضع تجربة عزة سلطان تحت شارة ضحايا الصمت والتجاهل وأن منجزها لم يأحذ حقه نقديا؟

أنا مثل كثيرات من الكاتبات عانين الصمت، لكنني لا أُحمل أحد تلك المسئولية فهي مسؤولية مشتركة، إذ أنه مع الكم الكبير للأعمال الإبداعية، والعدد المحدود من النقاد الجادين، هناك كثيرون يسقطون في الصمت، ليس مطلوبًا من الناقد أن يعرف كل الكُتاب ويعرف مشروعهم، ولكن هناك مسئولية يتقاسمها المبدع والناشر في التعريف بالمنتج الإبداعي، وأظن نفسي قصرت في ذلك، فكما نعرف جميعًا لا أحد يعمل كاتبًا، كل المؤلفون لديهم عمل آخر ليستطيعوا تحمل تكلفة الحياة، وإذا أضفنا أن النساء لديهن كذلك رعاية الأبناء، نصبح نحن الكاتبات مطالبات بأن نُبدع ونكتب وننشر، بالإضافة إلى أعمالنا ورعاية أسرنا، ورائعات هن من استطعن صنع التوزان ومحاولة التواجد الإعلامي بما ينبه ويلتفت الانتباه نحو أعمالهن، نعم لم يأخذ منجزي الابداع ما يليق به نقديًا، لكنني ساهمت في ذلك ببعدي وانشغالي، فإذا كنت أنا صاحبة العمل قد انشغلت عن الترويج لعملي كيف ألوم الناقد الذي انصرف عنه؟

◘ بصفتك خبيرة مكتبات.. هل ثمة معايير عامة تحكم القراءة أم إننا نعيش في زمن فوضى القراءة؟

كنا قديمًا ندرس فكرة برامج القراءة، تلك البرامج التي تعتمد تطوير القارئ والانتقال به وبوعيه لمراحل أعلى حسب الترشيحات، لكن هذا كان في الدراسة، الغالبية غير مهتمة ببرامج القراءة، والأمر عشوائي في مجمله، نقرأ وفق ترشيحات، أو صيت ذائع، وأظن أن هذا سبب قلة المكتبات العامة وتراجعها عن دورها.

received_429808651718984

◘ هل أثرت وسائل التواصل الاجتماعي ورسخت للقراءة السطحية؟

لا اتفق مع مصطلح القراءة السطحية، القراءة تأخذنا نحو عمق ما حتى لو بدا للبعض أن المحتوى سطحي، فالقارئ لا يتوقف عند قراءة النص، بل يتداخل وعيه معه، وهو شكل من التفاعل، ومن ثم مهما كانت درجة تعامل المحتوى مع قضية ما فالقارئ سوف يضيف بعدًا جديد.

أما التعامل مع منشورات منصات التواصل الاجتماعي، فهو أمر أشبه بالتعامل مع الجرائد في فترة سابقة.

◘ هل ترى عزة سلطان أن المرأة العربية تخلصت من الصوت الذكوري في كتاباتها.. وأصبح لها صوتها الخاص بها؟

كثيرات من النساء العربيات يعتمدن الصوت الذكوري، إذا أن الكثيرات تربين وصرن يفكرن بمنطق ذكوري، وهو أمر له علاقة ببنية المجتمع الذي يصنع أفضلية للذكر لكونه ذكرًا فقط، وحتى تتمكن امرأة سواء كانت كاتبة أو مبدعة في أي مجال أن يكون لها صوتها النسائي، وقضاياها التي تدافع عنها، فهى قضية تحتاج الكثير من الجهد والنضال، لكن هناك كاتبات نجحن في ذلك وهو أمر محفز لأخريات.

◘ تعودين بكتاب جديد معني بالطفل إلىأيمدى حققت الكتابة للطفل في مجتمعاتنا الدور المنوط في تشكيل وعيه؟

للأسف هناك صورة لا أفهم من كوّنها او الباعث خلفها مفادها أن كاتب الطفل في درجة أدنى من درجات باقي المبدعين، ومن ثم فالتعامل مع كُتاب الأطفال يُصيبه العوار، لا دعاية لا حفلات توقيع ولا حركة نقدية، كُتاب الأطفال يعملون في صمت يكتبون وينشرون، ولا نعرف الكثيرين منهم، وما دام هذا هو التعامل مع كُتاب الأطفال فما بالك التعامل مع المحتوى، في ظل تراجع الأنشطة المدرسية واختفاءها في غالبية المدارس، ولا يمكن قياس حركة الكتابة للطفل لغياب المعايير.

◘ هل يمكن أن نقول إنك كشفت عبر كتاب"أن تحبي رجلا متزوجا "، و"ويوم لممارسة الحب" بعض من المسكوت عنه في العلاقات الاجتماعية والانسانية التي نعيشها؟

منذ فترة طويلة وأنا منشغلة بإعادة تأويل وتفكيك العلاقات الاجتماعية، فهناك خلط ومساحات من سوء الفهم، تؤدي بالعلاقات لمناطق مسدودة ونهايات حزينة، وقد انشغلت بهذا الأمر في مقالاتي، أن تُحبي رجلًا متزوجًا محاولة لإعادة تحليل العلاقات الثلاثية الأطراف، دون أحكام استباقية ومع حتمية أن نعرف أن كل علاقة لها ظروفها، وعلينا الدخول في العلاقات دون أحكام مسبقة، أتمني ان تغير مقالاتي وما أكتب وجهة نظر البعض.

◘ كيف تري المشهد السينمائي المصري في وقتنا الراهن وهل تتفقي مع أن السينما المصرية تعيش أزمة؟

منذ كبرنا ونحن نسمع أن هناك أزمة تعيشها السينما، والحقيقة أنها أزمة رأس مال وليست أزمة السينما، فالكوادر السينمائية من ممثلين وفنيين ومؤلفين متوفرة بكثرة، مواهب حقيقية في كل ما يتعلق بالإنتاج المرئي، لكن تبقي المشكلة هي مشكلة رأس المال، الذي لديه أجندته ويحدد كم فيلم يصنع في السنة، شكل الأفلام التي يرغب في تقديمها، غير ذلك ليس هناك أزمة.

عن المشهد الروائي العربي وتسييد جنس الرواية علي باقي الاجناس الابداعية شهد العالم العربي انفجار روائي لصوت المرأة العربية علي حد تعبير الناقد المغربي محمد براد إلى أي مدي تتفقي مع هذا الرأي،وإلي مدى هذا الانفجار يضيف للمشهد الابداعي العربي؟

كثرة الجوائز المعنية بالرواية ساهم في القاء الضوء على المنشور من الرواية وهذا لا يعني أن الإنتاج في الشعر أو المسرح أو القصة أقل، لكن اذا اتفقنا أن ما يصبو اليه الكاتب هو التقدير، هذا التقدير الذي يصيب بعض منه مع نيله جائزة، ومع القيم المادية للجوائز، أصبح الكُتاب والناشرين معنيين بالحصول على التقدير الأدبي والمادي، ومن ثم بات توجه، نتفق أو نختلف معه لكن لن ننكر أن الجوائز أسهمت بتعريف الكتاب والقراء على السواء بكُتاب عرب من جنسيات مختلفة، وهذا التعريف كشف عن كاتبات متميزات كن موجودات من قبل لكن دائرة الضوء لم تصبهن في السابق، وفى كل الأحوال أنا أرى أن الكم يفرز كيف، لا يضايقني أن يكتب كل الناس أيا كان ما يكتبونه، لأن هذا العدد الكبير بالتأكيد سنجد فيه محتوى جيد، فقط نأمل بحركة نقدية تدعمنا في الكشف عن الجيد.

◘ الكتابة للأطفال تعدأحدأصعب أشكال الكتابة الابداعية حدثينا عن أهم الخطوات التي تسبق الشروع للكتابة في عمل ابداعي متعلق بالطفل، وأهم القضايا. والقيم التي تحاولين تصديرها القراء؟

الكتابة للأطفال عمل عقلي أولًا قبل أن يكون إبداعي، فأتصور أن أي كاتب يكتب للطفل عليه أن يتوقف مع كل كلمة ليختار الأكثر ملائمة، يفكر في كل جملة، يدقق المعلومات التي سيستخدمها، ويناقش نفسه في القيم الظاهرة والمستترة في العمل.

حين أكتب للطفل فهو عمل شاق بدءًا من الفكرة التي سأطرحها مرورًا بالتناول الدرامي، والسلوكي والقيمي، ومدى ملائمته مع الفكرة، وعادة أحب طرح القضايا الحالية، فأنا أؤمن بأن الطفل يرى ويعرف اكثر مما نظن، وعلينا أن نشاركه لا ان نتجاهله، ولذلك أكتب في الموضوعات التي يعيشها أولادنا وأستلهم أفكاري مما أرى ومن أعرف من أطفال العائلة وأطفال أصدقائي وأيضًا ابني، فكتبت عن التنمر، وعن الأطفال الذين يعيشون مع امهاتهم بعد الطلاق، وعلاقتهم بأخواتهم من الأب، وعمل الأمهات من المنزل، وقريبًا سيكون هناك موضوعات أخرى ترتبط بحياة أولادنا وواقعهم.

أما فيما يخص القيم، فأنا مع التربية الأخلاقية، فالأخلاق واحدة في كل الديانات وعند كل الشعوب، الجميع يجرم السرقة، والكذب والقتل، وحين نربي أبناءنا على الأخلاق فنحن نضمن أجيال سوية متسقة.

يقول براد بيري"إذا كنت تكتب بلا لذة، بلا متعة، بلا حب، بلا لهو، فأنت نصف كاتب فقط.متى يمكن ان تتوقف. عن الكتابة لتكون شرط لكتابة جديدة،؟

لا أظن أن هناك كاتب يمكن أن يتوقف عن الكتابة، فالكتابة هي فعل حياة، معادل للتنفس ودقات القلب، ولا أتصور أنني سأتوقف إلا بتوقف قلبي عن النبض.