رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تاريخ لن ننساه (14).. الوساطة بين الجماعات الإسلامية والحكومة

في أواخر عام 1989 قام عدد من علماء المسلمين بإصدار بيان يدينون فيه العنف.
اتفق العلماء في بيانهم على أن تغيير المنكر باليد، واجب شرعي على ولي الأمر، وعلى كل إنسان، في حدود ولايته. 
وقد وقع على البيان كل من الشيوخ: 
 محمد متولي الشعراوي، محمد الغزالي ، د. يوسف القرضاوي، عبد الله المشد، محمد زكي إبراهيم، د. عبد المنعم النمر، د. محمد الطيب النجار، الشيخ عطية صقر. 
في مارس 1990 استعان اللواء محمد عبد الحليم موسى، وزير الداخلية، بصديقه مصطفي مؤمن والذي تربطه صلة طيبة بالدكتور عمر عبد الرحمن، أن يساعده لوقف أشكال العنف كافة، وبالفعل تمت المقابلة.
ولكن المبادرة لم تسفر عن شيء، فقد هرب عمر عبد الرحمن إلى السعودية لأداء العمرة، ومنها إلى السودان ومنها إلى أمريكا.
وفي عام 1992 سمح وزير الداخلية اللواء محمد عبد الحليم موسي للدكتور عبد الصبور مرزوق، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بإجراء حوارات مع أعضاء الجماعات الإسلامية في السجون، بل وأعطاه تصريحا لمن يرى أنه تاب منهم بالخروج من السجن معه وفي سيارته، وقد أخرج الوزير بتلك الطريقة 30 تائبا. 
قبل أن تتم المفاوضات وقع حادث اغتيال الدكتور فرج فودة يوم 11 يونيو 1992 بمعرفة عدد من أعضاء الجماعات الإسلامية. أوقف وزير الداخلية فكرة الحوار، وأعلن عن سياسة "الضرب في سويداء القلب" مع عناصر الجماعات الإسلامية إذا استخدموا السلاح في مواجهة رجال الأمن أو ترويع المواطنين.  
غير أن الشيخ محمد متولي الشعراوي، قام بمبادرة من أجل إجراء صلح، بين وزير الداخلية اللواء محمد عبد الحليم موسي، وقيادات الجماعات الإرهابية. 
قام الشيخ بتشكيل وفد من 24 شخصا برئاسته. يضم في عضويته كبار علماء الدين والمفكرين والصحفيين وأساتذة الجامعة من بينهم:  محمد الغزالي والدكتور عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتور عبد الصبور شاهين خطيب مسجد عمرو بن العاص، والأستاذ بكلية دار العلوم، وأحمد فراج الإعلامي المعروف ومستشار مكتب رئيس الوزراء للإعلام، والكاتب المعروف فهمي هويدي وآخرون.  
توجه الشيخ محمد متولي الشعراوي من تلقاء نفسه على رأس الوفد مباشرة إلى بوابة وزارة الداخلية، وطلب مقابلة وزير الداخلية اللواء محمد عبد الحليم موسي، دون إذن مسبق، كانت وجهة نظر الشيخ الشعراوي أن يفاجئ الوزير بطلب اللقاء، حتى لا يكون هناك مجال لإحراج الوزير مع الحكومة. وحتى لا تتهم المحاولة بأنها من تدبير الحكومة.
الغريب أن الضابط المسئول عن حراسة بوابة الوزارة سمح للوفد بالدخول دون إخطار الوزير، أو حتى مدير مكتبه، باعتبارهم من كبار الشخصيات الإسلامية والإعلامية. 
لأجل ذلك طلب الوزير إجراء تحقيق عاجل مع ضابط حراسة المبنى، الذي سمح بدخول الوفد بدون تحديد موعد سابق أو التشاور مع الوزير لمعرفة سبب اللقاء.
عندما التقى الوزير الوفد طلب من الشيخ الشعراوي إيضاح سبب المقابلة المفاجئة، والتي لم يسبق الترتيب لها. وأفاده الشيخ بأنها من باب الصلح بين الفئتين المؤمنتين، الجماعات الإسلامية، والدولة، مستحضرين منطوق الآية الكريمة التي تحض علي الصلح. 
طالب الشيخ والوفد اللواء محمد عبد الحليم موسي، بإبداء النوايا الحسنة، بزعم أن هناك معتقلين وقع عليهم ظلم بين، وأن هؤلاء المعتقلين لم ينخرطوا في سلك الإرهاب، وذكروا للوزير أسماء حوالي 10 أو 15 شخصا من صغار السن، وقالوا إنهم يخشون من تسرب الإجرام إليهم من قادتهم في السجون. وافق الوزير، وطلب من اللواء مصطفي عبد القادرأن يفحص حالة هؤلاء المعتقلين الصغار أمنيا، والإفراج عنهم، إذا ثبت عدم ارتكابهم لجرائم.  
استمر اجتماع الوزير مع الوفد ثلاث ساعات، قدم الوفد للوزير ورقة فيها برنامجهم.
وقد جاء فيها: إن العلماء مطالبون بالتصدي للفتنة، وإن عمل اللجنة تطوعي لوجه الله، وإن اللجنة ليست لها انتماءات سياسية أو حزبية، وإنها ليست لها غرض أو مطمع أو مغنم، وإن دورها إخماد الفتنة بين الشباب في أنحاء البلاد.
كما حددت الورقة أن اللجنة ستقسم إلى مجموعات تنزل إلى الكفور والقرى والنجوع والمنازل والمساجد، لإجراء حوارات حول القضايا المطروحة على الساحة وخاصة النهي عن أسلوب العنف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واقترحت اللجنة القيام بزيارات للسجون وعقد لقاءات مع المسئولين لعرض ما تم تحصيله لإزالة الشوائب بين الجماعات الإسلامية وأجهزة الدولة.
تكوين هيكل تنظيمي لها، يتكون من لجنة عليا من: فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي. الشيخ محمد الغزالي. الدكتور محمد نايل.
كما اقترحت تأسيس مكتب تنفيذي تكون مهمته عقد اللقاءات المباشرة مع أجهزة الدولة وقيادات الجماعة داخل السجون. ويضم هذا المكتب: الدكتور محمد عمارة. الدكتور محمد سليم العوا. الدكتور عبد الرشيد صقر. الدكتور عبد الصبور شاهين. الدكتور عمر عبد الكافي. منتصر الزيات محامي الجماعة الإسلامية. 
كما اقترح إنشاء مكتب للإعلام برئاسة فهمي هويدي، الكاتب بجريدة الأهرام ويضم هذا المكتب: الأستاذ أحمد فراج، والأستاذ محمد إسماعيل لأعمال السكرتارية، ويجتمع المكتب كل أسبوع.
كما تقرر أن تجتمع كل اللجان كل 15 يوما.
وفي يوم 18 أبريل 1993 أقيل وزير الداخلية اللواء محمد عبد الحليم موسي.. وللحديث بقية.