رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الديمقراطية الأمريكية وسقوط الأقنعة

بسقوط شهداء في أفغانستان شنقًا على يد طالبان، وبسقوط شهداء حاولوا التشبث بالطائرات الأمريكية الفارة من رمضاء طالبان سقطت أقنعة كثيرة.. تشدق الولايات المتحدة الأمريكية وادعاءاتها بإرساء دعائم الديمقراطية والقضاء على الديكتاتوريات في الشرق الأوسط منذ زمن ليس بالبعيد تسبب في خراب العراق وتدمير جيشه وشعبه ومقدراته وإعدام رئيسه، صبيحة عيد الأضحى، بعد محاكمة صورية هزلية ما زالت عالقة في الضمير والوجدان العالمي.

وتسببت ذات الادعاءات أيضًا في أحداث فوضى عارمة، وصفت آنذاك- وبتبجح تحسد عليه- بالخلاقة! نعم لقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ليس بالبعيد الفوضى شيئًا خلاقًا! من أجل إقامة شرق أوسط جديد يحكمه الإسلام السياسي المسلح غير الشرعي الذي يرهب الشعوب ويقتل الأنفس- الناس جميعًا- وقد حرم الله قتل النفس دون حق!

وعادت الكثير من الدول حكامًا في الشرق الأوسط وساعدت في إسقاطها، وتدخلت في الشئون الداخلية لتلك الدول والشعوب باسم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، بل ومنح الغرب الاستعماري، باسم حقوق الانسان، لجوءاً للفارين من بطش حكامهم.. فهل سيمنح هذا الغرب اليوم الحماية؟ ويسمح بلجوء الشعب الأفغاني المستجير من الرمضاء بالنار ويريد الفرار من موت محقق في ظل حكم طالبان لبلادهم؟!

سؤال وجب طرحه في تلك اللحظة الآنية والحاسمة والوجودية من تاريخ أفغانستان التي ترزح لسنين بسبب ما صدر إعلاميًا- ولسنين أيضًا- وبدعم وهابي التوجه، آنذاك، ساعد أمريكا في حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي.. وأسهم الإسلام السياسي المسلح والمدعوم بالفكر الوهابي في إسقاط الاتحاد السوفيتي الشيوعي الكافر! الذي تمت شيطنته وشيطنة الفكر الشيوعي، آنذاك، لصالح الإسلام السياسي المسلح العشوائي، ولصالح الإرهابيين وعملياتهم الإرهابية التي تم تجميلها! وتجميل الإرهابيين وتسميتهم بالمجاهدين!

لقد تم نعت القتلة بالمجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله! وهم محض قتلة ولصوص يسرقون الأرواح ومقدرات البلاد والعباد.. بل وطالب معتنقو الفكر الوهابي، آنذاك، بالتبرع لهؤلاء المجاهدين ودعمهم في حربهم الدينية المقدسة ضد الشيوعية!! وبالفعل أسهمت فى ذلك حرب أفغانستان، تلك الحرب المفتعلة، التي تم جر السوفييت لها من أجل إسقاط الاتحاد السوفيتي وتفتيته وتقزيمه.. وبالفعل سقط الاتحاد السوفيتي بدعاوى الديكتاتورية وأنه كيان غاشم يمارس القمع، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية هي حمامة السلام ومنبع الديمقراطية وينبوع الحنان وملاذ لسكان الكوكب وأرض الأحلام.. واليوم تعاني الدول التي تفككت من الاتحاد السوفيتي من ويلات الفقر والتشرذم، وصار الكوكب بأكمله ملكًا وحكرًا للكاوبوي الأمريكي الذي خطط وبشكل ممنهج لتدمير العراق، ثم مس الضر سوريا لخلق شرق أوسط جديد تسوده الفوضى العارمة التي نعتت «بالخلاقة»، وكل ما سبق ما هو إلا محض كذب وتدليس فج وسيناريو خبيث ومحكم أراد في فترة ما أيضًا سوءًا بمصر، ولولا صمود المصريين وانحياز جيشهم لهم ولبلادهم لضاعت مصر وكان مصيرها مصير العراق وأفغانستان اليوم.

لقد حمى الجيش المصري- آخر ما تبقى من الجيوش العربية- ثورة مصر ضد حكم المرشد وضد الغول الداعشي، ولولاه لسقطت مصر في أيادي الإرهابيين من أصحاب العقيدة الجهادية التي تقتل وتستحل الدماء.

والسؤال: هل شعب أفغانستان يكره بلاده؟ بالطبع لا، الشعب الأفغاني يعي جيداً أن حكم طالبان هو موت محقق ولا فكاك منه إلا بالهروب.. فتشبث أفراد من هذا الشعب المكلوم- في بلاده ومصيره ومقدراته وبعد أن أصابه الهلع والفزع من همجية (مجاهدي) طالبان القتلة-  بعجلات الطائرات الأمريكية وفروا إليها واختبأوا فيها، بل ونصبوا حبالاً ليصعدوا بها للسماء ليلحقوا بالطائرات كملاذ أخير يتشبثون به لينجوا بأعمارهم.

فسقط بعضهم كما سقط الاتحاد السوفيتي، وماتوا كما ماتت الشيوعية، بعد أن زرعت تلك الولايات وطائراتها هؤلاء القتلة في أراضيهم ونعتوهم بالمجاهدين! فقد جاهدوا بالفعل من أجل مصالح أمريكا وخاضوا لها حربًا بالوكالة ضد السوفييت.. حربًا جررنا جميعا لها لنصرة القتلة ضد الكفرة الشيوعيين! وها هي أمريكا اليوم تفر وتترك الأفغان للرمضاء وحدهم يواجهون مصيرهم المجهول أو الموت الحتمي المحقق على أيادي طالبان ومجاهديها «القتلة». 

لقد فر الكاوبوي الأمريكي وأطلق الرصاص العشوائي في مطار كابول، وفر رعاياها لينقذوا أنفسهم من حكم المجاهدين! فلماذا يفر الأمريكيون اليوم من المجاهدين؟ ألم يكونوا حلفاء   لهم وساعدوهم في إسقاط السوفييت؟

وهل يا ترى ستساعد أمريكا والغرب الاستعماري شعب أفغانستان ضد حكم طالبان؟ هل سيمنحونهم حق اللجوء لأراضيهم كما منحوه من قبل وما زالوا يمنحونه للسوريين الفارين من بطش بشار الأسد رغم انتهاء الحرب في سوريا؟!

هل بشار الأسد ومن قبله صدام حسين صنعا ديكتاتوريات في حين صنع المرشد والمجاهد الأفغاني والملا والفقيه «جنة الرضوان» على الأرض، وأعطوا للشعوب التي وطأوها حقهم في الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؟

هل سيستشعر (بانكي مون) ومن على شاكلته الحرج تجاه ما يفعله المجاهدون الإرهابيون في أفغانستان؟ هل (هيومن رايتش ووتش) ستتحدث عن مجازر طالبان وشنقهم وذبحهم معارضيهم أم ستصم أذنيها وتغمض عينيها عما يفعله (المجاهدون) في أفغانستان وشعبها؟

هل ستسعى أمريكا لتحقيق الفوضى الخلاقة في أفغانستان وتطالب طالبان بالديمقراطية وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير؟

هل ستعتبر أمريكا حكم طالبان حكمًا ديكتاتوريًا؟ أم أن طالبان حكمها ديمقراطي؟

لماذا انسحبت أمريكا من أفغانستان ولم تُسقط طالبان كما أسقطت صدام حسين ووصفت بشار الأسد بالديكتاتور؟

لماذا تدخلت أمريكا في شئون العراق لإسقاط الديكتاتور صدام حسين وتهرب اليوم من محاربة طالبان؟ أم أن طالبان هم مرتزقة الكاوبوي وماردهم الذي صنعوه ثم فقدوا سيطرتهم عليه ولا يريدون مواجهته ففروا ورفضوا استكمال المسير وخوض حرب جديدة؟

هل صاروا حقاً يكرهون الحروب؟ هل تعلموا الدرس بعد حرب فيتنام؟ هل تعلموا الدرس بعد إلقاء القنابل على هيروشيما وناجازاكي؟

إذا كان الدرس حقًا مستوعبا فلماذا دخلوا حربًا في العراق؟ أم أن نفط العراق وخيراته كان مبررًا كافيًا لديهم لخوض الحرب؟ هل هم دعاة سلام وعدم انحياز ويرفضون الحرب ويكرهونها ولا يريدون التدخل في الشئون الداخلية لبلاد الغير؟ أم أنهم يحبون التدخل وخوض الحروب فقط إن عادت عليهم بالخيرات والنعم والغنائم حتى وإن ضحوا بجنودهم في حروب العراق وفيتنام؟ هل قلوب الغرب الرحيمة تتجه فقط لنصرة الشعب السوري ضد بشار الأسد؟ هل بشار الأسد أكثر قمعًا وديكتاتورية من حكم طالبان؟ هل ما سموه بـ«الانقلاب» و«حكم العسكر» في مصر أكثر ضررًا من حكم طالبان؟

هل سيعتبر الغرب وأمريكا أن حكم طالبان «فاشي» كما كانوا يصفون حكم السوفييت؟ أم أن حكم طالبان يتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان ويسمح بحرية الرأي والتعبير؟