رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدراما.. وزمن النجم الأوحد

يقولون إننا نعيش عصر الدراما المرئية ، وهو ليس توصيف أهل الرأي والبحث والاختصاص فحسب لحال عصرنا، ولا يُعد ذلك لونًا من الجور أو التقصد ولا يحمل في النهاية أي إهمال أو تغييب للفنون الأخرى، وبالتالي حجب حقوق وتقدير مكانة تلك الفنون وأهل إبداعاتها ...
ومعلوم أن تسيد ثقافة الصورة التي غلبت بإبهاراتها وحداثة وجودها وقدرتها على التفاعل الآلي والمباشر مع المتلقي قد ساهمت في خفوت زهوة وبريق تجليات الكلمة المقروءة بشكل عام عن حالها في سالف العصر والأوان..
وكان د.عبد القادر القط أحد كبار النقاد الأكاديميين قد اهتم مبكرًا بالتناول النقدي لدراما التليفزيون ، وقبل رحيله قد أزعجه حالة التراجع الإبداعي في مجال الدراما المرئية ، وقال: "إن الدراما التليفزيونية تقود العالم العربي إلى الوراء 200 سنة ، رغم أنهم لو أحسن استخدامها ستلعب دورًا رائدًا في تغيير الذوق العام والارتقاء بالوجدان الشعبي العربي أكثر من الفنون الأخرى ، بل وأستطيع التأكيد على أن الدراما التليفزيونية هي وعاء لكل القضايا الكبرى الوطنية والاجتماعية والشعبية نظرًا للصور السهلة والمبسطة كوسيلة في متناول المواطن البسيط .. " ..
نعم ، فالدراما في النهاية سلعة هامة تباع وتشترى يتحكم في صناعتها وعرضها في فاترينات العرب مقاييس واعتبارات أخرى ـ للأسف ــ غير الجودة وحداثة الرؤية والإضافة الإبداعية ومطابقة المواصفات الفنية المعلومة والمؤسسة لفنون الدراما  وتقديم المنتج المتسم بالقدرة على التشابك الإيجابي والتلاحم مع واقع الناس وطموحاتهم لتحقيق خطوات مجتمعية وإنسانية لإحداث دفعة للأمام .. 
لقد دخل في تلك الحسابات مدى نجومية الممثل البطل ومدى تحقيقه لدقائق إعلانية للمُنتج الدرامي وليس ملائمة الدور ومدى إيمانه بهدف العمل .. و عليه ، صار السعي للكاتب البسيط صاحب التوليفة التقليدية التي لا تخرج عن صراع الطبقات في الصورة الساذجة التقليدية  والدخول إلى مناطق الوعظ والإرشاد في امتداد غير مقبول لدراما الأربعينيات أو الاستغراق في حكاوي البطل الذي فقد الذاكرة فيكتشف من خلال المجتمع المحيط به بالتعرف على التركيبة الشخصية الشريرة التي عاش بها وتعامل الناس معه في المقابل بها والدخول في تفاصيل تنكرها ولا تقرها نظريات وقواعد علم النفس أو حتى المعلوم القليل منها لدى من عاشوا أحداث وحواديت واقعية مشابهة .. وأمثلة الدراما المتكررة دون استحياء أو خجل من منتجيها كثيرة ولعل أبرزها في الفترة الأخيرة صراع الورثة على ميراث الأب العاقل أحيانًا أو طيب عبيط أو مشارك ومتعاطف مع ولد شرير أو متدين ، واللعب على مفاهيم المادية القاتلة لكل الروابط العائلية والإنسانية بتكرار عبيط يستطيع المشاهد الطفل أن يكمل تفاصيل كل مشاهد الدراما وخاتمتها المبكية !!
.. وفي دراما المط والتطويل حدث ولا تصمت عزيزي متلقي الدراما المسكين ، فأنت حتما  سنشهد حالة من القبح المرئي والحواري تمثل مفرداته وأساسيات إنشاء المشاهد فيه تشكيلة غبية ثقيلة الظل قبيحة من وصلات الردح ومساجلات الألفاظ الرذيلة في ادعاء التعبير عن الواقع تنتشر في دراما قال لي في وصفها الكاتب العظيم أسامة أنور عكاشة أنه قد تكاتف في صنعها أصحاب مصالح تعاونوا ليس على البر والتقوى ، بل على الإثم والعدوان !!
ولاشك أن الإعلام بكل وسائطه والصحافة النقدية تشارك بقسط وافر في إفشاء ونشر آراء نقدية غير علمية للاحتفاء بأعمال تافهة ومهدرة للكثير من الأهداف العليا لصناعة الدراما .. عبر لقاءات وحوارات مع كتاب الصفحات الفنية الهواة للتعليق على أهمية الأعمال الدرامية المعروضة ، فنجد أننا بصدد غثاء وكلام سطحي انطباعي ساذج داعم لحالة شللية لبيع وتسويق أعمال ماكان ينبغي لها أن ترى النور في الأساس .. لقد قالت الإعلامية الشهيرة المدعية أنها المتابعة المثقفة الواعية بأحوال الدراما في كل الدنيا في حوار لها مع كاتب سيناريو عظيم وصاحب تاريخ ومدرسة إبداعية مشهود لها ... قالت : المهم يا أستاذ شكل الورق اللي يرضي البطل و .. ، وقبل أن تكمل المدعية جملتها ، ثار الكاتب " مش ممكن اللغة والفهم اللي بتتعاملوا بيه مع الدراما والمؤلف وأدواته دي...عيب يا أستاذة تقولي انت وغيرك على السيناريو إنه مجرد ورق ، وبطل إيه اللي بنشتغل علشان نرضي مقامه الرفيع .. إيه الزمن الردئ ده ؟!